«لهم» ، (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) أي وعدهم الله جنات النعيم وعدا وحق ذل حقا فهما مصدران مؤكدان الأول : لنفسه ، والثاني : لغيره ، لأن قوله تعالى : (لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) في معنى وعدهم الله جنات النعيم ، فأكد معنى الوعد بالوعد. وأما حقا فدل على معنى الثبات أكد به معنى الوعد ومؤكدهما جميعا لهم جنات النعيم. (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغلبه شيء ، (الْحَكِيمُ) (٩) الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة. (خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ) أي بغير دعائم (تَرَوْنَها).
فهذا إما راجع للسموات وهو استئناف جيء به للاستشهاد على خلقه تعالى لها ، غير معمودة بمشاهدتهم لها كذلك ، أي ليست هي بعمد وأنتم ترونها كذلك وإما راجع للعمد وهو صفة له أي بغير عمد مرئية ، وإن كان هناك عمد غير مرئية فهي قدرة الله وإرادته (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) أي جبالا ثوابت.
قال ابن عباس : هي الجبال الشامخات من أوتاد الأرض ، وهي سبعة عشر جبلا منها : قاف ، وأبو قبيس ، والجودي ، ولبنان ، وطور سينين ، وثبير ، وطور سيناء أخرجه ابن جرير (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) أي كراهة أن تميل الأرض بكم (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ) أي فرق الله في الأرض من كل نوع من أنواع ذي روح ، (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) وهو المطر (فَأَنْبَتْنا فِيها) ، أي في الأرض بسبب ذلك الماء (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) (١٠) أي من كل جنس حسن فتحت كل جنس نوعان لأن النبات إما شجر أو غير شجر ، فالشجر إما مثمر أو غير مثمر. (هذا) أي الأشياء المعدودة (خَلْقُ اللهِ) أي مخلوقه (فَأَرُونِي) أي فأخبروني يا أهل مكة ، (ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) أي من غير الله مما تعبدونه فكيف تتركون عبادة الخالق وتشتغلون بعبادة المخلوق؟! (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (١١) أي بل المشركون في خطأ بيّن وأنتم يا أهل مكة منهم (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) وهو توفيق العمل بالعلم فكل من أوتي توفيق العمل بالعلم فقد أوتي الحكمة ، فمن تعلم شيئا ولا يعلم مصالحه ومفاسده لا يسمى حكيما وإنما يكون مبخوتا ألا ترى أن من يلقي نفسه من مكان عال ووقع على موضع ، فانخسف به وظهر له كنز وسلم لا يقال : إنه حكيم لعدم علمه به أولا ، بل هو يعلم أن الإلقاء فيه إهلاك النفس والإنسان إذ علم أمرين أحدهما أهم من الآخر ، فإن اشتغل بالأهم كان عمله موافقا لعلمه وكان حكمة وأن الأهم كان مخالفا للعلم ، ولم يكن من الحكمة في شيء قيل : ولقمان هو ابن باعوراء من أولاد آزر ، ابن أخت أيوب عليهالسلام ، وعاش حتى أدرك داود عليهالسلام ، وأخذ عنه العلم وكان يفتي قبل مبعثه وروي أنه كان نائما في نصف النهار فنودي : يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض فتحكم بين الناس بالحق؟ فأجاب الصوت فقال : إن خيرني ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء وإن عزم على فسمعا وطاعة فإني أعلم أن الله تعالى إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني. فقالت الملائكة بصوت وهو لا يراهم : يا لقمان هل لك في الحكمة؟ قال : فإن الحاكم يغشاه المظلوم من كل مكان إن عدل نجا وإن أخطأ الطريق