الدنيا من الكفر والمعاصي بالعقاب (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٢٣) فلا يخفي عليه سرهم وعلانيتهم فينبئهم بما أضمرته صدورهم (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً) أي زمانا قليلا مدة حياتهم ، (ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) (٢٤) ثم نردهم في الآخرة إلى عذاب شديد ، أي فإنهم لما كذبوا الرسل ، ثم تبين لهم الأمر وقع عليهم من الخجالة ما يدخلون ولا يختارون الوقوف بين يدي ربهم بمحضر الأنبياء. (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) وهذا يصدقك في دعوى الواحدانية ، ويبين كذبهم في الإشراك (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على ظهور صدقك وكذب مكذبيك (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٢٥) ، أي ليس لهم علم يمنعك من تكذيبك مع اعترافهم بما يوجب تصديقك (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فلا يستحق العبادة فيهما غيره تعالى (إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (٢٦) ، أي الغني عن العالمين ، المستحق للحمد ، وإن لم يحمده أحد. (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) ، أي ولو كانت الأشجار أقلاما والبحار السبعة من بعد نفاذ البحر المحيط مدادا ، فكتب بها عجائب صنع الله الدالة على قدرته ووحدانيته لم تنفد تلك العجائب ، فإن العجائب بقوله تعالى : (كن) و «كن» كلمة ، وإطلاق اسم السبب على المسبب جائز كما يقول الشجاع لمن يبارزه : أنا موتك وكما يقال للدواء في حق المريض هذا شفاؤك ، ودليل صحة هذا هو أن الله تعالى سمى المسيح : كلمة ، لأنه كان أمرا عجيبا لوجوده من غير أب ، ولذا قلنا بأن عجائب الله لا نهاية لها دخل فيها كلامه تعالى ، فالمخلوق هو الحرف والتركيب هو عجيب. أما الكلمات فهي من صفات الله تعالى ، (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) أي كامل القدرة فلا يعجزه شيء (حَكِيمٌ) (٢٧) أي كامل العلم فلا يخرج عن علمه أمر (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) أي ما خلقكم وبعثكم إلا كخلق نفس واحدة بعثها في سهولة الحصول ، إذ لا يشغله تعالى شأن ، لأن مناط وجود الكل تعلق إرادته الواجبة مع قدرته الذاتية (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (٢٨) أي سميع لما يقولون كيف يبعثنا بصير بما يعملون (أَلَمْ تَرَ) أي ألم تعلم يا أيها الغافل (أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) أي يدخل كل واحد منهما في الآخر ويضمه إليه ، فيتفاوت بذلك حاله زيادة ونقصانا (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) أي ذللهما (كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي إلى وقت معلوم في منازل معروفة لهما ، (وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ) في كل وقت من الخير والشر (خَبِيرٌ) (٢٩). فمن شاهد مثل ذلك الصنع لا يغفل عن كون صانعه محيطا بجلائل أعماله ودقائقه (ذلِكَ) أي ما ذكر من سعة العلم وشمول القدرة وعجائب الصنع ، (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) أي الثابت الوجود وألوهيته ، (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ) ، وبسبب بيان بطلان إلهية ما يعبدونه من غيره تعالى.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص «يدعون» بالغيبة. (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٣٠) أي وبيان أنه تعالى هو العلي في صفاته ، الكبير في ذاته ، أكبر من كل ما يتصور ،