فلا يكون جسما في مكان (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ) أي بالريح التي هي بأمر الله ، وبإحسانه تعالى في تهيئة أسباب الجري (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) أي ليريكم بإجراء السفينة بنعمته بعض دلائل وحدته وعلمه وقدرته (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما ذكر (لَآياتٍ) عظيمة في ذاتها ، كثيرة في عددها (لِكُلِّ صَبَّارٍ) في الشدة (شَكُورٍ) (٣١) في الرخاء ، فالتكاليف أفعال وتروك ، فالتروك : صبر عن المألوف. والأفعال : شكر على المعروف (وَإِذا غَشِيَهُمْ) أي أحاط بهم (مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) ، أي كالجبال في الارتفاع (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ، أي مفردين له تعالى بالدعوة بأن ينجيهم ، (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) ، أي مقيم على الطريق المستقيم الذي هو التوحيد ، ومنهم من يعود إلى الشرك وهو المراد بقوله تعالى : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) أي الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا (إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ) أي كثير الغدر ، ولا يكون الغدر إلا من قلة الصبر (كَفُورٍ) (٣٢) أي مبالغ في كفران نعم الله تعالى. (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) أي يا أهل مكة أطيعوا ربكم (وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) أي لا يقضي فيه والد عن ولده في دفع الآلام ، (وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) في دفع الإهانة ، فـ «مولود» مبتدأ ، و «هو» مبتدأ ثان ، و «جاز»خبره. والجملة خبر«مولود».
وقرئ «لا يجزئ» بضم الياء ورفع الهمزة أي لا يغني. (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالثواب والعقاب (حَقٌ) أي لا يمكن إخلافه أصلا (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) فإنها زائلة لوقوع اليوم الذي لا مجازاة بين الوالد وولده بالوعد الحق (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ) أي بسبب حلم الله (الْغَرُورُ) (٣٣) أي الشيطان ، أو الدنيا فمن الناس من تدعوه الدنيا إلى نفسها فيميل إليها ، ومنهم من يوسوس في صدره الشيطان ويزين في عينه الدنيا ويقول : إنك تحصل بها الآخرة ، أو تلتذ بها ، ثم تتوب فتجتمع لك الدنيا والآخرة ، أي كونوا من الذين لا يلتفتون إلى الدنيا ولا إلى من يحسن الدنيا في الأعين ، (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي علم وقت قيام القيامة (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) إلى محله في إبانه.
وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعصام بفتح النون وتشديد الزاي. (وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ) من ذكر أو أنثى ، تام أو ناقص (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً) من خير أو شر ، (وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) كما لا تدري في أي وقت تموت.
روي أن ملك الموت مرّ على سليمان عليهالسلام ، فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظر إليه فقال الرجل : من هذا؟ قال ملك الموت. فقال : كأنه يريدني! فمر الريح أن تحملني وتلقيني ببلاد الهند ، ففعل ، ثم قال الملك لسليمان : كان دوام نظري إليه تعجبا منه حيث كنت أمرت بأن أقبض روحه بالهند وهو عندك. (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) أي مبالغ في العلم بكل شيء (خَبِيرٌ) (٣٤) أي عالم ببواطن الأشياء كما يعلم ظواهرها.