منتقم منهم بالعذاب الأكبر. (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) ، أي التوراة (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) أي فلا تكن يا أشرف الخلق في شك من لقاء الكتاب الذي هو القرآن ، أي إنا آتينا موسى مثل ما أتيناك من الكتاب فلا تكن في شك من أنك لقيت نظيره ، (وَجَعَلْناهُ) أي الكتاب الذي آتيناه موسى (هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) (٢٣) كما جعلنا كتابك هاديا للأمة (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ) إلى دين الله (بِأَمْرِنا) إياهم بذلك ، كما جعلنا من أمتك صحابة يهدون (لَمَّا صَبَرُوا) أي حين صبروا على مشاق الطاعات ومقاساة الشدائد في نصرة الدين.
وقرأ حمزة والكسائي بكسر اللام وتخفيف الميم ، أي لصبرهم على ذلك. (وَكانُوا بِآياتِنا) ـ التي في تضاعيف الكتاب (يُوقِنُونَ) (٢٤) لإمعانهم فيها النظر (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ) أي يقضي (بَيْنَهُمْ) أي بين المبتدع والمتبع كما يفصل بين المؤمن والكافر ، أو يفصل بين المختلفين من أمة واحدة كما يفصل بين المختلفين من الأمم الكثيرة (يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٢٥) من أمور الدين. (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا) أي أغفلوا ولم يفعل الهداية لهم كثرة إهلاكنا وقد جوز أن يكون الفاعل ضميرا يعود على الله ، كما يدل عليه قراءة «نهد» بنون العظمة فيكون «كم أهلكنا» إلخ استئنافا مبينا لكيفية هدايته تعالى (مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ) مثل عاد وثمود ، وقوم ولوط. (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) أي يمرون في أسفارهم إلى التجارة على ديارهم وبلادهم ، ويشاهدون آثار هلاكهم (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في كثرة إهلاكنا الأمم الخالية العاتية (لَآياتٍ) عظيمة في أنفسها كثيرة في عددها (أَفَلا يَسْمَعُونَ) (٢٦) هذه الآيات سماع تدبر واتعاظ؟ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) أي التي أزيل نباتها بالمرة.
قال ابن عباس هي أرض اليمن والشام. وقال قوم : هي مصر (فَنُخْرِجُ بِهِ) أي بذلك الماء من تلك الأرض (زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ) أي من ذلك الزرع (أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ) قدم الأنعام في الأكل لأن الزرع أول ما ينبت يصلح للدواب ، ولأن الزرع غذاء الدواب ، وهو لا بد منه (أَفَلا يُبْصِرُونَ) (٢٧)؟ أي ألا ينظرون فلا يبصرون ذلك ليستدلوا به على كمال قدرته تعالى ، وعلى فضله؟ (وَيَقُولُونَ) أي المشركون للمؤمنين بطريق الاستعجال تكذيبا واستهزاء : (مَتى هذَا الْفَتْحُ) أي النصر؟ (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٨)! وكان المسلمون يقولون : إن الله سيفتح لنا على المشركين وإن الله ينصرنا عليكم. (قُلْ) يا أشرف الخلق لبني خزيمة وبني كنانة (يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ) إذا جاءهم العذاب وقتلوا لأن إيمانهم حال القتل إيمان اضطرار ، (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (٢٩) أي يمهلون بتأخير العذاب عنهم ، ولما فتحت مكة هربت قوم من بني كنانة فلحقهم خالد بن الوليد ، فأظهروا الإسلام ، فلم يقبله منهم خالد وقتلهم ، (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أي عن بني خزيمة ولا تبال بتكذيبهم (وَانْتَظِرْ) هلاكهم يوم فتح مكة (إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) (٣٠) هلاكك. ويقال : وانتظر النصر من الله فإنهم ينتظرون النصر من آلهتهم. ويقال : وانتظر عذابهم بنفسك فإنهم ينتظرونه بلفظهم استهزاء.