أظهروا الإيمان لفظا (فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) أي أظهر الله بطلان أعمالهم التي كانوا يأتون بها مع المسلمين (وَكانَ ذلِكَ) أي الإحباط (عَلَى اللهِ يَسِيراً) (١٩) أي هينا (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) أي هؤلاء المنافقون لجبنهم يظنون قريشا وغطفان واليهود ، لم ينهزموا عند ذهابهم ، ففروا إلى داخل المدينة (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) (٢٠) أي وإن يأت الكفار بعد ما ذهبوا كرة ثانية تمنى هؤلاء المنافقون أن لو كانوا ساكنين خارج المدينة بين الأعراب ، بعداء عن تلك الكفار ، يسألون كل قادم من جانب المدينة عما جرى عليكم مع الكفار. والحال أن هؤلاء المنافقين لو كانوا فيكم هذه الكرة ولم يرجعوا إلى المدينة ووقع قتال آخر : ما قاتلوا معكم إلا قليلا رياء وخوفا من التعبير (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، أي خصلة حسنة حقها أن يقتدي بها على سبيل الإيجاب في أمور الدين ، وعلى سبيل الاستحباب في أمور الدنيا (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) أي يرجو ثواب الله واليوم الآخر خصوصا (وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) (٢١) باللسان والقلب (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ) أي الكفار الكثيرة الأجناس (قالُوا هذا) أي المرئي (ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) بقوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا) الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء إلى قوله تعالى : (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) وبقوله صلىاللهعليهوسلم : «سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم والعاقبة لكم عليهم» وبقوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الأحزاب سائرون إليكم بعد تسع ليال أو عشر»(١). (وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) في النصرة والثواب كما صدقا في البلاء (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) (٢٢) ، أي وما زادهم الوعد إلا إيمانا بوقوعه وتسليما عند وجوده ، ويقال : وما زادهم ما رأوه إلا إيمانا بالله وبمواعيده ، وتسليما لأوامره ومقاديره.
وقرأ ابن أبي عبلة «وما زادوهم» بضمير الجمع ، ويعود للأحزاب ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم أخبرهم أن الأحزاب تأتيهم بعد تسع أو عشر (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) أي أتوا بالصدق في عهدهم من الثبات مع الرسول ، أي من الصحابة رجال نذورا أنهم إذا لقوا حربا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا ، وهم عثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعيد بن زيد وعمرو بن نفيل ، وحمزة ، ومصعب بن عمير ، وأنس بن النضر وغيرهم. (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) أي نذره كحمزة ، ومصعب بن عمير ، وأنس بن النضر وغيرهم. وأخرج الترمذي عن معاوية أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «طلحة ممن قضى نحبه»(٢). وقدروي أن طلحة ثبت مع رسول الله يوم أحد حتى أصيبت يده فقال صلىاللهعليهوسلم : «أوجب طلحة الجنة»(٣) وعنه صلىاللهعليهوسلم في رواية
__________________
(١) رواه أحمد في (م ١ / ص ١٦٥).
(٢) رواه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٢٦).
(٣) رواه ابن كثير في البداية والنهاية (٤ : ١٢٢).