عنقها ، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول : لا تسألن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما ليس عنده. فقلن : والله لا نسأل رسول الله أبدا شيئا ليس عنده ، ثم اعتزلهن شهرا ، ثم نزلت هذه الآية. فبدأ بعائشة فقال : «يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا لا أحب أن تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك» (١). قالت : وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية. فقالت : أفيك يا رسول الله أستشير أبوي ، بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة ، ثم اختارت الباقيات اختيارها فشكر لهن ذلك ، (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ) أي بكبيرة (مُبَيِّنَةٍ) أي ظاهرة القبح.
وقرأ ابن كثير وشعبة بفتح الياء التحتية ، أي بين الله قبحها (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) ، أي يعذبن ضعفي غيرهن. وقرأ أبو عمرو «يضعف» بتشديد العين على البناء للمفعول. وقرأ ابن كثير وابن عامر «نضعف» بنون العظمة وتشديد العين على البناء للفاعل ونصب «العذاب». (وَكانَ ذلِكَ) أي التضعيف (عَلَى اللهِ يَسِيراً) (٣٠) لا يمنعه تعالى عن التضعيف كونهن نساء النبي صلىاللهعليهوسلم ، وليس أمر الله كأمر الخلق حيث يتعذر عليهم تعذيب الأعزة بسبب كثرة شفعائهم ، (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) أي من يطع الله ورسوله منكن (وَتَعْمَلْ صالِحاً) أي خالصا فيما بينها وبين ربها (نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) ، أي نعطها ثوابها مثلي ثواب غيرها من النساء ، فمرة على الطاعة ، ومرة لطلبهن رضا رسول الله بالقناعة ، وحسن المعاشرة ، وقرأ حمزة والكسائي بالياء التحتية في «يعمل» ، و «يؤتها». (وَأَعْتَدْنا لَها) أي هيأنا لها (رِزْقاً كَرِيماً) (٣١) أي مرضيا في الجنة ، زيادة على أجرها المضاعف ، (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَ) أي اتصفتن بالتقوى ، لأن فيكن أمرا لا يوجد في غيركن وهو كونكن أمهات جميع المؤمنين ، وزوجات خير المرسلين ، كما أن محمدا صلىاللهعليهوسلم ليس كأحد من الرجال ، (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) أي فلا ترفقن بالقول عند الرجال (فَيَطْمَعَ) في الخيانة (الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) أي شهوة الزنا ، (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (٣٢) أي قولا حسنا مع كونه خشنا ، (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) أي امكثن في بيوتكن ، وليكن عليكن حسن الهيئة.
وقرأ نافع وعاصم بفتح القاف فهو أمر من قر يقر من باب علم أو من قار يقار إذا اجتمع. وقرأ غيرهما بكسر القاف من وقر يقر وقارا. (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) أي ولا تتزين بزينة الكفار في الثياب الرقاق الملونة. والمراد بالجاهلية الأولى هي التي قبل الإسلام (وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ) أي أتممن الصلوات الخمس. (وَآتِينَ الزَّكاةَ) أي أعطين زكاة أموالكن (وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) في كل ما تأتين وما تذرن (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) ، أي عمل
__________________
(١) رواه القرطبي في التفسير (١٤ : ١٩).