يكون تابعا له مثاله من كان يقصد مدينة ، فنزل بطريق تلك المدينة في قرية يصح منه في العرف أن يقول في جواب من يقول : لم جئت إلى هذه القرية؟ إني جئت إلى هذه القرية ، وإنما قصدت المدينة الفلانية ، وهذه وقعت في طريقي ، وإن كان قد جاءها ودخلها إذا عرفت هذا فإن الخير كله بقضاء ، وما في العالم من الضرر بقدر. ثم وصف الله تعالى الذين خلوا بقوله تعالى : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ) في تبليغ الرسالة (وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) أي الذين هم كانوا رسلا مثل محمد (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) (٣٩) ، أي كافيا للمخاوف ، فينبغي أن لا يخشى غيره ، أو محاسبا على الصغيرة والكبيرة فيجب أن يكون حق الخشية منه تعالى. (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) على الحقيقة حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الوالد وولده من حرمة المصاهرة وغيرها ، فليس محمد أبا زيد (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) ، أي ولكن كان محمد رسولا لله والعامة على تخفيف «لكن» ، ونصب «رسول» على إضمار «كان».
وقرأ أبو عمرو وفي رواية بتشديدها على أن «رسول» اسمها ، والخبر محذوف ، أي ولكن رسول الله. هو وقرأ زيد بن علي ، وابن أبي عبلة بتخفيفها ورفع رسول على الابتداء وخبره مقدر ، أي هو ، أو بالعكس ، أو ولكن هو رسول الله. (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) أي وكان آخرهم الذين ختموا به. وقرأ عاصم بفتح التاء. والباقون بكسرها ، أي فإن رسول الله كالأب للأمة في الشفقة من جانبه وفي التعظيم من طرفهم ، بل أقوى ، فإن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، والأب ليس كذلك ، ثم إن النبي الذي يكون بعده ، نبي إن ترك شيئا من النصيحة يستدركه من يأتي بعده وأما من لا نبي بعده يكون أشفق على أمته ، وأهدى لهم إذ هو كوالد لولده الذي ليس له غيره من أحد (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٤٠). ومن جملته الحكم الذي بيّنه لكم وكنتم منه في شك ، والحكمة في تزوجه صلىاللهعليهوسلم بزوجة من تبناه إكمال شرعه ، وذلك أن قول النبي يفيد شرعا لكن إذا امتنع هو عنه يبقى في بعض النفوس نفرة ، ألا ترى أنه صلىاللهعليهوسلم أحل أكل الضب ، ثم لما لم يأكله بقي في النفوس شيء ، ولما أكل لحم الجمل طاب أكله عندها مع أنه في بعض الملل لا يؤكل ، وكذلك الأرنب. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ) بما هو أهله من التهليل ، والتحميد باللسان والقلب ، (ذِكْراً كَثِيراً) (٤١) يعمّ الأوقات والأحوال أي بالليل والنهار ، والبر والبحر ، والصحة والسقم ، في السر والعلانية عند المعصية والطاعة. (وَسَبِّحُوهُ) أي نزهوه عما لا يليق به. (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٤٢).
وهذا إشارة إلى المداومة وذلك ، لأن مريد العموم قد يذكر الطرفين ويفهم منهما الوسط ، (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) أي فالله تعالى وملائكته يعتنون بما فيه خيركم وصلاح أمركم ، فالله يهديكم برحمته والملائكة يستغفرون لكم (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ، أي يخرجكم بذلك من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة ، (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (٤٣) أي وكان