(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) أي أعطيناه لصحة توبته نوعا من الفضل على سائر الأنبياء عليهمالسلام ، وهو ما ذكر بعد (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) أي رجّعي مع داود النوحة على الذنب ، (وَالطَّيْرَ) بالنصب عطفا على فضلا بمعنى : وسخّرنا له الطير ، لأن إيتاءها إياه تسخيرها له وقيل : كان داود ينوح على ذنبه بترجيع وتحزن ، وكانت الجبال تساعده على نوحه بأصدائدها ، والطير بأصواتها ، وقوله : (يا جِبالُ) إلخ بدل من «آتينا» بإضمار «قلنا» أو من «فضلا» بإضمار «قولنا». (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (١٠) أي جعلناه لينا في نفسه كالشمع يصرفه في يده كيف يشاء من غير حماء بنار ولا ضرب بمطرقة. (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) أي أمرناه بأن اعمل دروعا واسعات ، (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) أي توسط في نسج الدروع بحيث تتناسب حلقها ، أو لا تصرف جميع أوقاتك إلى النسج بل مقدار ما يحصل به القوت ، وأما الباقي فاصرفه إلى العبادة ، (وَاعْمَلُوا صالِحاً) أي لستم مخلوقين إلّا للعمل الصالح ، فأكثروا منه وقدروا في الكسب (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١١) فمن يعمل لملك شغلا ويعلم أنه بمرأى من الملك يحسن العمل ويتقنه ويجتهد فيه (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) أي وسخر له الريح عوضا عن الخيل التي عقرها الله تعالى.
وقرأ شعبة برفع «الريح» على الابتداء والخبر مجرور قبله ، لأن الريح كانت لسليمان كالمملوك المختص به يأمرها بما يريد حيث يريد. (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) أي جريها بالغداة مسيرة شهر ، وجريها بالعشي كذلك.
قال الحسن : كان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر ويروح من إصطخر فيبيت ببابل. (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) أي النحاس المذاب يعمل به ما يشاء كما يعمل بالطين ، وكان ذلك بأرض اليمن.
وقيل : كان يسيل في الشهر ثلاثة أيام (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) بالسخرة من البنيان وغيرها (بِإِذْنِ رَبِّهِ) أي بأمره تعالى ، (وَمَنْ يَزِغْ) أي يمل (مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) (١٢) أي عذاب النار الوقود في الآخرة (يَعْمَلُونَ لَهُ) ، أي في أيّ وقت يشاء (ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) أي أبنية مرتفعة يصعد إليها بدرج ، (وَتَماثِيلَ) أي صور من نحاس وزجاج ورخام ونحو ذلك. وقيل : هي صور الملائكة والأنبياء ، والعباد ، كانت تصور في المساجد ليراها الناس ، فيزدادوا عبادة ، ويعبدوا ربهم على مثالهم.
وروي أنهم عملوا له أسدين في أسفل كرسيه ، ونسرين فوقه ، فإذا أراد أن يصعد على الكرسي بسط الأسدان له ذراعيهما ، وإذا جلس أظله النسران بأجنحتهما. (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ) أي قصاع كالحياض الكبار. وقيل : كان يجتمع على جفنة واحدة ألف رجل.
وقرأ ورش وأبو عمرو بإثبات الياء في الوصل دون الوقف. وابن كثير بإثباتها وقفا ووصلا. والباقون بالحذف وقفا ووصلا. (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) أي ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها