لعظمها ، وكان يصعد عليها بالسلالم ، وكانت باليمن (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) فـ «آل» منادى ، و «شكرا» مفعول به.
وروي أن سليمان عليهالسلام جزّأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من الساعات إلّا وإنسان من آل داود قائم يصلي. (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (١٣) أي المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر أوقاته ، (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ) أي سليمان (الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ) أي آله (عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) ـ وهي الأرضة ـ (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) أي عصاه (فَلَمَّا خَرَّ) أي وقع سليمان على الأرض بعد أن قصمت الأرضة عصاه (تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) أي علمت الجن علما بيّنا (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) (١٤) ، أي أنهم لو كانوا يعلمون الغيب كموت سليمان ، ما لبثوا في العذاب المهين وحينئذ يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب ، بل كانوا يسترقون السمع ويموهون على الناس أنهم يعلمون الغيب.
وقال سليمان لملك الموت : إذا أمرت بي فأعلمني. فقال : أمرت بك وقد بقيت من عمرك ساعة ، فدعا الشياطين ، فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب ، فقام يصلي متكئا على عصاه ، فقبض الله روحه وهو متكئ عليها ، وكانت الشياطين تجتمع حول محرابه أينما صلى ، وكان للمحراب كوي بين يديه وخلفه ، فكانت الجن تعمل الأعمال الشاقة التي كانوا يعملونها في حياته ، وينظرون إلى سليمان عليهالسلام فيرونه قائما متكئا على عصاه ، فيحسبونه حيا فلا ينكرون خروجه إلى الناس لطول صلاته ، فمكثوا يدأبون له بعد موته حولا كاملا حتى أكلت الأرضة عصا سليمان ، فخرّ ميتا ، فعلموا بموته حينئذ ، فشكروا ذلك للأرضة ، فأينما كانت يأتونها بالماء والطين وقالوا لها : لو كنت تأكلين الطعام والشراب لأتيناك بهما.
وحكي أن سليمان عليهالسلام ابتدأ بناء بيت المقدس في السنة الرابعة من ملكه ، وكان عمره سبعا وستين سنة ، وملك وهو ابن سبع عشرة سنة ، وكان ملكه خمسين سنة ، وقرّب بعد فراغه منه اثني عشر ألف ثور ، ومائة وعشرين ألف شاة ، واتخذ اليوم الذي فرغ فيه من بنائه عيدا وقام على الصخرة رافعا يديه إلى الله تعالى بالدعاء ، وقال : اللهم أنت وهبت لي هذا السلطان ، وقوّيتني على بناء هذا المسجد ، اللهم فأوزعني شكرك على ما أنعمت وتوفني على ملتك ، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، اللهم إني اسألك لمن دخل المسجد خمس خصال : لا يدخله مذنب دخل للتوبة إلّا غفرت له وتبت عليه ، ولا خائف إلّا أمنته ، ولا سقيم إلّا شفيته ، ولا فقيرا إلّا أغنيته ، والخامسة : أن لا تصرف نظرك عمن دخله حتى يخرج منه إلّا من أراد إلحادا أو ظلما يا رب العالمين. (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ) أي علامة دالة على قدرتنا.
وقرأ حمزة وحفص بسكون السين ، وفتح الكاف ، والكسائي بكسرها. والباقون «مساكنهم» بلفظ الجمع ، أي عند مواضع سكناهم ـ وهي باليمن يقال لها : مأرب ، بينها وبين