صنعاء مسيرة ثلاثة أيام آية ـ دالة على وجود الصانع المختار القادر على كل ما يشاء. (جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) أي عن يمين بلدهم وشمالها جماعتان من الجنات ، وكان سبأ ثلاث عشرة قرية ، فبعث الله إليهم ثلاثة عشر نبيا ، فقال لهم الأنبياء : (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ) من الثمار ونحوها ، (وَاشْكُرُوا لَهُ) بالتوحيد ليديم لكم النعمة (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) (١٥) ، أي بلدتكم بلدة طاهرة عن المؤذيات ، لا حية فيها ، ولا عقرب ، ولا وباء ، ولا وخم. وربكم الذي رزقكم الطيبات وطلب منكم الشكر ، رب غفور لفرطات ممن يشكره. (فَأَعْرَضُوا) عن الإيمان ولم يشكروا.
قال وهب : أرسل الله إلى سبأ ثلاثة عشر نبيا فدعوهم إلى الله تعالى ، وذكروهم نعم الله عليهم ، وأنذروهم عقابه ، فكذبوهم وقالوا : ما نعرف لله تعالى علينا من نعمة ، فقولوا لربكم : فليحبس هذه النعمة عنا إن استطاع ، (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) أي سلّطنا عليهم سيل الوادي ـ والعرم : واد في اليمن يقال له ، وادي الشجر ، وكان فيه مسناة يحسبون الماء في الوادي ، وكان لها ثلاثة أبواب بعضها أسفل من بعض ، فكانوا يسقون من الأعلى ، ثم من الثاني ، ثم من الثالث على قدر حاجاتهم ، فأخصبوا ، وكثرت أموالهم ـ فلما كذبوا الرسل سلط الله عليهم الفأرة فنقبت الردم ، فهدم الله تلك المسناة وأهلكهم بذلك الماء ، وأهلك ما كان لهم من البساتين والبيوت وغير ذلك. (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) أي أذهبنا جنتيهم ، وآتيناهم بدلهما جنتين ذواتي ثمر بشع.
وقرأ أبو عمرو «أكل» بغير تنوين ، أي ثمر أراك (وَأَثْلٍ) أي طرفاء ، (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) (١٦) أي قليل ثمره كثير شوكه ، له ثمرة عفصة لا تؤكل أصلا ، ولا ينتفع بورقه في غسل اليد ، وهو سدر بري ، وهذان معطوفان على «أكل» لا على «خمط». وقرئ «وأثلا وشيئا» عطفا على «جنتين». (ذلِكَ) أي التبديل (جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) أي بسبب كفرانهم النعمة حيث نزعناها منهم ووضعنا مكانها ضدها (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (١٧) ، أي وما نجازي هذا الجزاء إلّا المبالغ في الكفران.
وقرأ حفص وحمزة والكسائي بنون العظمة. والباقون بالياء على البناء للمفعول «الكفور». وقرئ على البناء للفاعل ـ وهو الله تعالى ـ (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) بالماء والشجر (قُرىً ظاهِرَةً) أي وجعلنا بين أهل سبأ ـ وهم باليمن ـ وبين أهل الأردن وفلسطين ـ وهم بالشام ـ قرى يرى بعضها من بعض لتقاربها ، يرى سواد القرية من القرية الأخرى. قيل : كانت قراهم أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبأ إلى الشام (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) أي جعلنا السير بين قراهم والشام سيرا مقدرا من قرية إلى قرية ، فإذا ساروا نصف يوم وصلوا إلى قرية ذات مياه وأشجار ، فلا يحتاجون في السفر إلى حمل زاد وماء وقلنا لهم : (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) (١٨) وهو أمر بمعنى الخبر ، أي تسيرون في تلك القرى إن شئتم