وعظكما أو يخشى الله فيرجع من الإنكار ، إلى الإقرار بالحق. فإن لم ينتقل من الإنكار ، إلى الإقرار لكنه إذا حصل في قلبه الخوف ترك الإنكار. وإن لم ينتقل إلى الإقرار ، فإن ترك الإنكار ، خير من الإصرار على الإنكار. وفائدة إرسالهما مع علم الله بأن فرعون لا يؤمن إلزام الحجة من الله ، وقطع المعذرة عن فرعون ، وإظهار الآيات. ويروى عن كعب أنه لمكتوب في التوراة : «فقولا له قولا لينا وسأقسي قلبه فلا يؤمن». (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) أي أن يعجّل علينا بالعقوبة ، بأن لا يصبر إلى إتمام الدعوة وإظهار المعجزة. أي إنا نخاف فوات القيام لتبليغ الرسالة كما أمرتنا ، إذا قتلنا. وقرئ «يفرط» بضم الياء ، وكسر الراء ، أي نخاف أن يحمله حامل من ادعاء الربوبية ، أو حبه للرياسة ، والمملكة ، أو قومه المتمردين على المعالجة بالعقاب. (أَوْ أَنْ يَطْغى) (٤٥) ، أي يزداد تكبرا إلى أن يقول في شأنك ما لا ينبغي لجراءته عليك ، وقساوة قلبه. (قالَ) الله تعالى : (لا تَخافا) ، مما عرض في قلبكما من أذية فرعون لكما ، ومن ازدياد كفره. (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) (٤٦) ، أي إنني حافظكما سميعا وبصيرا.
قال القفال : يحتمل أن يكون قوله تعالى : (أَسْمَعُ وَأَرى) مقابلا لقولهما (أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) ، أي أن يعدو علينا بأن لا يسمع منا ، أو أن يطغى ، أي يغلب علينا بأن يقتلنا. فقال الله تعالى (إِنَّنِي مَعَكُما) أي معينكما ، وعالم بما يليق من حالكما معه ، أسمع كلامه معكما فأسخره للاستماع منكما ، وأرى أفعاله فلا أتركه يفعل بكما ما تكرهانه. (فَأْتِياهُ) أي فلتكونا واصلين إلى فرعون ، (فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) إليك ، (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) ، نذهب بهم إلى أرضهم ـ وفي ذلك إدخال النقص على ملكه ، لأنه كان محتاجا إليهم فيما يريده من الأعمال ، من بناء أو غيره ـ (وَلا تُعَذِّبْهُمْ) بالأمور الشاقة كالحفر ، ونقل الأحجار ، وقتل ذكور أولادهم ، عاما دون عام ، واستخدام نسائهم. (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) ، أي بإثبات الدعوى ببرهانها. فهو بيان من عند الله. (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) (٤٧) ، أي السلامة في الدارين ، من عذاب الله لمن صدق آيات الله الهادية إلى الحق. وهذا من جملة قوله تعالى الذي أمرهما أن يقولاه لفرعون ، أي وفقولا له والسلام إلخ. (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا) ، من جهة ربنا ، (أَنَّ الْعَذابَ) الدنيوي والأخروي ، (عَلى مَنْ كَذَّبَ) بآياته تعالى (وَتَوَلَّى) (٤٨) ، أي أعرض عن قبولها. (قالَ) أي فرعون بعد ما أتياه وبلّغا ما أمرا به ، (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) (٤٩) ، لم يقل فمن ربي ، مع أن حق الجواب كذلك ، لغاية عتوّه أي إذا كنتما رسولي ربكما فأخبرا من ربكما الذي أرسلكما وتخصيص النداء بموسى ، بعد مخاطبته لهما معا لأنه الأصل في الرسالة ، وهارون وزيره. (قالَ) أي موسى مجيبا له : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ) ، من أنواع المخلوقات (خَلْقَهُ) أي صورته اللائق بما نيط به من الخواص ، والمنافع. أو أعطى خلقه كل شيء يحتاجون إليه وينتفعون به. وتقديم المفعول الثاني للاعتناء به. (ثُمَّ هَدى) (٥٠) ، إلى طريق الانتفاع من