كاختلاف الثمار والجبال ، (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) فالخشية بقدر معرفته المخشي والعالم يعرف الله ، فيخافه ويرجوه. وهذا دليل على أن العالم أعلى درجة من العابد. ومعنى الآية في قراءة من قرأ بنصب «العلماء» ، ورفع اسم الجلالة إنما يعظم الله العلماء. (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (٢٨) فكونه تعالى عزيزا ذا انتقام يوجب الخوف التام ، وكونه تعالى غفورا للتائب عن العصيان يوجب الرجاء البالغ. (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) أي يداومون على قراءة القرآن ، (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) كيفما اتفق من غير قصد إليهما (يَرْجُونَ تِجارَةً) أي تحصيل ثواب الطاعة (لَنْ تَبُورَ) (٢٩) ، أي لن تهلك بالخسران أصلا. وقوله تعالى : (سِرًّا وَعَلانِيَةً) حث على الإنفاق كيفما يتهيأ ، فإن تهيأ سرا فذاك وإلّا فعلانية ، ولا يمنعه ظنه أن يكون رياء فإن ترك الخير مخافة أن يقال فيه : إنه مراء ، هو عين الرياء. (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) متعلق بـ «لن تبور» ، أي تنفق التجارة عند الله ليوفيهم الله أجور أعمالهم ما يرجونه (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي يعطيهم ما لم يخطر ببالهم عند العمل ، (إِنَّهُ غَفُورٌ) عند إعطاء الأجور ، (شَكُورٌ) (٣٠) عند إعطاء الزيادة (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) ، أي هو القرآن (هُوَ الْحَقُ) أي الصدق (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) ، أي مصدقا لما قبله من الكتب السماوية فيوافقه في العقائد وأصول الأحكام (إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ) ، أي عالم بالبواطن (بَصِيرٌ) (٣١) ، أي عالم بالظواهر فلا يكون الكتاب باطلا في وحيه لا في الباطن ولا في الظاهر ، (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) ، أي ثم أعطينا القرآن أمتك الذين اخترناهم على سائر الأمم ، (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) أي راجع سيئاته (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) أي تساوت سيئاته وحسناته ، (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) وهو الذي ترجحت حسناته (بِإِذْنِ اللهِ) أي بتوفيق الله وهو متعلق بسابق (ذلِكَ) أي السبق بالخيرات ، (هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٣٢) من الله تعالى (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) خبر لـ «جنات» ، أي هؤلاء الثلاثة أصناف يدخلون جنات عدن ، ومن دخلها لم يخرج منها.
وقرأ أبو عمرو بالبناء للمفعول (يُحَلَّوْنَ فِيها) أي يلبسون على سبيل التزين في الجنة (مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) فـ «من» الأولى للتبعيض ، والثانية للتبيين. (وَلُؤْلُؤاً) قرأه عاصم ونافع بالنصب عطفا على محل من أساور. والباقون بالجر عطفا على ذهب. (وَلِباسُهُمْ فِيها) أي الجنة (حَرِيرٌ) (٣٣) وإكثار الزينة يدل على الغنى ، فلا يعجر عن الوصول إلى الأشياء الكثيرة عند الحاجة ، ويدل على الفراغ. (وَقالُوا) أي ويقول أهل الجنة في الجنة : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) أي كل حزن بحصول كل مطلوبه (إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ) للمذنبين (شَكُورٌ) (٣٤) للمطيعين (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ) أي دار الإقامة التي لا انتقال عنها أبدا (مِنْ فَضْلِهِ) من غير أن يوجبه شيء من جهتنا (لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ) أي تعب ، (وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) (٣٥) أي فتورنا شيء عن التعب ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ) أي لا يحكم عليه بموت ثان ، (فَيَمُوتُوا)