تعالى ، وإلّا فكانوا يستحقون إسقاط السموات وانطباق الأرض عليهم (غَفُوراً) (٤١) أي محّاء لذنوب من تاب. وإن استحق العقاب (وَأَقْسَمُوا) أي كفار مكة (بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) ، أي غاية اجتهادهم في الإيمان (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) ، أي لما بلغ قبل مبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم قريشا أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا : لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم ، فو الله لئن أتانا رسول لنكونن أسرع إجابة من كل الأمم ، (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) أي فما صح لهم مجيء رسول وهو سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم الذي كانوا يشهدون أنه خيرهم نفسا ، وأشرفهم نسبا ، وأكرمهم خلقا (ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) (٤٢) ، أي تباعدا عن الحق (اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ) ، إعراضا عن الإيمان وهو بدل من «نفورا». (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) وهو معطوف على «نفورا» ، وهو جميع ما صدر منهم من القصد إلى الإيذاء به صلىاللهعليهوسلم ، ومنع الناس من الدخول في الإيمان وإظهار الإنكار ، (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) ، أي ولا يحيط المكر السيئ إلّا بفاعله (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) أي ما ينتظرون إلا عادة الله في الأولين من تعذيبهم بتكذيبهم رسلهم ، فإن سنة الله الإهلاك بالشرك والإكرام على الإسلام (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً) لأنه سنة من سنن الله (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) (٤٣) فإن العذاب مع أنه لا تبديل له بالثواب لا ينقل عن مستحقه إلى غيره ، فبهذا يتم تهديد المسيء. (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي اقعدوا في الأرض (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا) أي من قبلهم (أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) وقد كانوا مارين على ديارهم رائين لآثارهم ، وأملهم كان فوق أملهم لطول أعمارهم ، وشدة اقتدارهم ، وعملهم كان دون عملهم ، لأنهم لم يكذبوا محمدا ، ولا مثل محمد ، وأنتم يا أهل مكة كذبتم محمدا ومن تقدمه من الرسل. فأهلكهم الله بتكذيبهم رسلهم فما نفعهم طول المدى ، وما دفع عنهم شدة القوى (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) أي إن الأولين مع شدة قوتهم ما أعجزوا الله ، فهؤلاء أولى بأن لا يعجزوه (إِنَّهُ كانَ عَلِيماً) بأفعالهم وأقوالهم (قَدِيراً) (٤٤) على إهلاكهم واستئصالهم (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا) من السيئات كما فعل بأولئك الأولين (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) أي على وجه الأرض (مِنْ دَابَّةٍ) أي من ذوى روح تدب عليها (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ، أي إلى وقت معلوم عند الله تعالى ، فللعذاب أجل ، والله لا يؤاخذ الناس بنفس الظلم ، فإن الإنسان ظلوم جهول ، وإنما يؤاخذ بالإصرار على المعاصي وحصول يأس الناس عن إيمانهم ، فإذا لم يبق فيهم من يؤمن يهلك الله المكذبين ولو آخذهم بنفس الظلم لكان كل يوم إهلاك (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) (٤٥) ، أي فإذا جاء أجلهم وهو يوم القيامة ، أو يوم لا يوجد في الخلق من يؤمن أو يوم القتل والأسر ، فإن الله يجازيهم عند ذلك بأعمالهم ، لأن الله تعالى كان بصيرا بعباده. وهذا تسلية للمؤمنين ، وذلك لأن الله تعالى لما قال ما ترك على ظهرها من دابة قال فإذا جاء الهلاك في الدنيا فالله بصير بالعباد ، إما أن ينجي المؤمنين أو يميتهم تقريبا من الله لا تعذيبا.