تُدْرِكَ الْقَمَرَ) أي فالشمس لم تصلح لها سرعة الحركة بحيث تدرك القمر ، وإلا لكان في شهر واحد صيف وشتاء فلا تدرك الثمار ، (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) أي ولا الليل يطلع سلطان النهار فيذهب ضوءه ولكن يعاقبه (وَكُلٌ) من الشمس والقمر (فِي فَلَكٍ) أي دائرة (يَسْبَحُونَ) (٤٠) ، أي يدورون ولفظ «كل» يجوز أن يوحد نظرا إلى كونه لفظا موحدا ، ويجوز أن يجمع لكون معناه جمعا ، وللشمس فلكان أحدهما : مركزه العالم ، وثانيهما : مركزه فوق مركز العالم ، وهو مثل بياض البيض بين صفرته والقيض والشمس كرة في الفلك الخارج المركز تدور بدورانه في السنة دورة ، فإذا حصلت في الجانب الأعلى تكون بعيدة عن الأرض فيقال : إنها في الأوج وإذا حصلت في الجانب الأسفل تكون قريبة من الأرض فتكون في الحضيض ، وللقمر فلك شامل لجميع أجزائه وأفلاكه ، وفلك آخر هو بعض من الفلك الأول محيط به كالقشرة الفوقانية من البصلة ، وفلك ثالث في الفلك التحتاني كما كان في الفلك الخارج المركز في فلك الشمس ، وفي الفلك الخارج المركز كرة مثل جرم الشمس وفي الكرة القمر مركوز كمسمار في كرة مفرق فيها ، ويسمى الفلك الفوقاني الجوزهر والخارج المركز الفلك الحامل والفلك التحتاني الذي فيه الفلك الحامل المائل ، والكرة التي في الحامل تسمى فلك التدوير (وَآيَةٌ لَهُمْ) ، أي لأهل مكة على قدرتنا على البعث (أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ).
وقرأ نافع وابن عامر «ذرياتهم» على الجمع ، أي أولادهم الذين يبعثونهم إلى تجارتهم ، أو صبيانهم ونسائهم الذين يستصحبونهم (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (٤١) أي المملوء ، ومع ذلك نجاه الله من الغرق. وقال علي بن أبي طالب : حمل الله تعالى النطف في بطون النساء تشبيه بالفلك المشحون ، (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ) أي مما يماثل الفلك (ما يَرْكَبُونَ) (٤٢) في البر من الإبل ونحوها وفي البحر من الزواريق ونحوها ، (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ) مع ركوبهم في الفلك ونحوه ، (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) ، أي فلا مغيث لهم من الغرق (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) (٤٣) ، أي ولا ينجون من الغرق بعد وقوعه ، (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) (٤٤) فالإنقاذ ينقسم إلى قسمين إما أن ينقذه الله لرحمة منه فيمن علم الله منه أنه يؤمن أو ينقذه للتمتيع باللذات زمانا إلى انقضاء أجله ، وليزداد إثما فيمن علم الله أنه لا يؤمن ، فالإنقاذ غير مفيد للدوام بل الزوال في الدنيا لا بد منه ، (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) أي لأهل مكة بطريق الإنذار : (اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) أي ما أمامكم من أمر الآخرة فإنهم مستقبلون لها ، (وَما خَلْفَكُمْ) من أمر الدنيا فإنهم تاركون لها (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٤٥) أي راجين أن ترحموا فإن الله لا يجب عليه شيء أعرضوا حسب ما اعتادوه ، ويقال : اتقوا ما بين أيديكم من أنواع العذاب مثل الغرق والحرق وغيرهما ، وما خلفكم من الموت الطالب لكم ، فإنكم إن نجوتم من هذه الأشياء فلا نجاة لكم منه ، (وَما تَأْتِيهِمْ) أي كفار مكة (مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها) ، أي تلك الآية (مُعْرِضِينَ) (٤٦) على وجه التكذيب والاستهزاء ، فلا تنفعهم الآيات ومن كذب بالبعض هان عليه