الكفر ، أو وليثبت المقول في الوحدانية والرسالة والحشر وسائر المسائل الدينية على كفار مكة فإن في القرآن ذكر الدلائل التي ثبتت بها المطالب. (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي ألم يتفكروا ، ولم يعلموه علما يقينا (أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ) أي لأجل انتفاعهم (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) أي ما عملناه بقدرتنا وإرادتنا (أَنْعاماً) هي الإبل والبقر والغنم ، وهو مفعول خلقنا (لَها مالِكُونَ) (٧١) بتمليكنا إياهم لها بحيث يتصرفون فيها بوجوه التصرفات (وَذَلَّلْناها لَهُمْ) أي صيرناها منقادة لهم بحيث لا تستعصي عليهم في شيء مما يريدون بها (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ) أي فبعض منها مركوبهم ، (وَمِنْها يَأْكُلُونَ) (٧٢) ، أي وبعض منها يأكلون لحمه. (وَلَهُمْ فِيها) أي الأنعام (مَنافِعُ) غير المركوب والأكل كالجلود ، والأصواف ، والأوبار ، والنسل ، والحرث عليها والحمل ، (وَمَشارِبُ) من ألبانها (أَفَلا يَشْكُرُونَ) (٧٣)؟ أي أيشاهدون هذه النعم فلا يشكرون المنعم بها فيعبدونه. (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) (٧٤) أي وعبد كفار مكة من غير الله أصناما راجين أن ينصروهم من عذاب الله تعالى (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) ، أي لا تقدر آلهتهم على نصرهم (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) (٧٥) أي والمشركون لآلهتهم بمنزلة الجند ، فهم قائمون بين أيديهم كالعبيد ويخدمونها ، ويغضبون لها في الدنيا ، أو المعنى وآلهتهم وهي الأصنام ، جند للعابدين محضرون معهم في النار ، فلا يدفع بعضهم عن بعض ، ويقال : والمشركون جند لآلهتهم يشيعونها عند مساقها إلى النار. (فَلا يَحْزُنْكَ) يا أشرف الخلق (قَوْلُهُمْ) ، أي تكذيبهم إياك.
وقرئ «يحزنك» بضم الياء وكسر الزاي وهو لغة بني تميم. أما القراءة المشهورة التي هي بفتح الياء وضم الزاي فهي لغة قريش. (إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) من النفاق أو من المكر بك أو من العقائد الفاسدة ، (وَما يُعْلِنُونَ) (٧٦) من الشرك أو من الكفر بك ، أو من الأفعال القبيحة أي إنا نجازيهم بجميع جناياتهم الخافية والبادية (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ) أي ألم يتفكر الإنسان ولم يعلم علما يقينا (أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) قذرة خسيسة (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ) أي ناطق بالباطل (مُبِينٌ) (٧٧) أي مبين النطق في نفي البعث (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً) أي أورد الإنسان في شأننا أمرا عجيبا وهو إنكاره قدرتنا على إحياء الموتى مع شهادة العقل والنقل في ذلك ، (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) أي وترك الإنسان ذكر بدء خلقه من المنى ، (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (٧٨) أي بالية أشد البلاء بعيدة عن الحياة غاية البعد ، ونزلت هذه الآيات في العاصي بن وائل ؛ كما نقل عن مجاهد أو في أبي بن خلف ؛ كما قاله عكرمة والسدي ، أو في عبد الله بن أبي كما نقل عن ابن عباس أو أمية بن خلف ؛ كما حكاه ابن عساكر.
وروي أن جماعة من كفار قريش تكلموا فقال لهم أبي بن خلف : ألا ترون إلى ما يقول محمد أن الله يبعث الأموات ثم قال : واللات والعزى لأذهبن إليه ولأخصمنه ، فأخذ عظما باليا ،