سورة مريم
مكية ، ثمان وتسعون آية ، تسعمائة واثنتان وستون ثلاثة آلاف وثلاثمائة وحرفان
بسم الله الرحمن الرحيم
(كهيعص) (١) وهو من المتشابه الذي انفرد الله تعالى بعلمه ، وقيل : هو ثناء من الله على نفسه ، وهو وصفه تعالى بأنه كاف لخلقه ، هاد لعباده ، يده فوق أيديهم ، عالم بأمرهم ، صادق في وعده. (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ) ، فإن جعلت (كهيعص) اسما للسورة على ما عليه اتفاق أكثر العلماء ، فهي مبتدأ وخبره (ذِكْرُ) أي المسمى (كهيعص ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) (٢) ، أي إصابة الله رحمته عبده زكريا. (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) (٣) ، فإنه أدخل في الإخلاص ، وأبعد من الرياء ، وأقرب إلى الخلاص ، عن لوم الناس على طلب الولد في زمان الشيخوخة. (قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) أي ضعف بدني ، وإنما أسند الضعف إلى العظم لأنه دعامة الجسد ، فإذا ضعف كان غيره أضعف. (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) ، أي أخذ رأسي شمطا ، وقد صار مثل شواظ النار. (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) (٤) أي ولم أكن بدعائي إياك يا رب خائبا في وقت من أوقات هذا العمر الطويل ، بل كلما دعوتك استجبت لي وقد توسّل سيدنا زكريا عليهالسلام ، بما سلف منه من الاستجابة عند كل دعوة بعد ذكر ما يتسبب للرأفة من كبر السن ، وضعف الحال. (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ) ، أي الذين يخلفونني في السياسة ، وفي القيام بأمر الدين. (مِنْ وَرائِي) ، أي بعد موتي ، وهم بنو عمه عليهالسلام ، وكانوا أشرار بني إسرائيل ، فخاف عليهالسلام أن لا يحسنوا خلافته في أمته ، ويبدّلوا عليهم دينهم ، وقوله : (مِنْ وَرائِي) متعلق بمحذوف أي فعل الموالي ، أو جور الموالي لا بـ «خفت» لفساد المعنى. (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) أي لا تلد من حين شبابها. (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) ، أي أعطني من محض فضلك الواسع ، وقدرتك الباهرة. (وَلِيًّا) (٥) أي ولدا من صلبي. (يَرِثُنِي) ، من حيث العلم والدين والنبوة. (وَيَرِثُ) الملك. (مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) ، بن إسحاق ، بن إبراهيم عليهالسلام ، لأن زوجة زكريا هي أخت مريم ، وكانت من ولد سليمان بن داود ، من ولد يهوذ بن يعقوب. أما زكريا فهو من ولد هارون أخي موسى ، وهما من ولد لاوى بن يعقوب بن إسحاق.