(بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٢٩) أي لم نمنعكم من الإيمان بل لم تؤمنوا باختياركم ، (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) أي من قهر. والمعنى : فلا قدرة لنا عليكم حتى نقهركم على متابعتنا (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) (٣٠) أي غالين في معصية الله تعالى (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ) (٣١) أي فثبت وعيد ربنا إنا لذائقوا العذاب. والمعنى : إن الله تعالى لما أخبر عن وقوعنا في العذاب فلو لم يحصل وقوعنا في العذاب لما كان خبر الله حقا ، ولما كان خبر الله أمرا ثابتا كان الوقوع في العذاب الأليم لازما ، ولما حق علينا وعيد ربنا وجب أن نكون ذائقين لهذا العذاب ، (فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) (٣٢) أي إنا إنما أقدمنا على إغوائكم لأنا كنا موصوفين في أنفسنا بالغواية فلا لوم علينا ، (فَإِنَّهُمْ) أي الأتباع والمتبوعين (يَوْمَئِذٍ) أي يوم القيامة (فِي الْعَذابِ) أي في وقوعهم في العذاب (مُشْتَرِكُونَ) (٣٣) كما كانوا في الدنيا مشتركين في الغواية ، (إِنَّا كَذلِكَ) أي كما نفعل بعبدة الأوثان (نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) (٣٤) ، أي المشركين غير هؤلاء كالنصارى واليهود (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) (٣٥) ، أي عبدة الأوثان كانوا إذا قيل لهم : قولوا لا إله إلّا الله ، يتعاظمون عن النطق بكلمة التوحيد وعلى من يدعوهم إليها ، (وَيَقُولُونَ) في تكذيب النبوة (أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) (٣٦) أي أإنا لتاركوا عبادة آلهتنا لأجل قول محمد صلىاللهعليهوسلم ، ثم إن الله تعالى كذبهم في ذلك الكلام فقال (بَلْ جاءَ بِالْحَقِ) أي بل جاء محمد بالدين الحق ، لأنه ثبت بالعقل أنه تعالى منزه عن الشريك (وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) (٣٧) أي وصدق محمد المرسلين في مجيئهم بالتوحيد ونفي الشرك ، فإن التوحيد دين كل الأنبياء (إِنَّكُمْ) بما فعلتم من الإشراك وتكذيب الرسول صلىاللهعليهوسلم (لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ) (٣٨).
وقرئ بنصب «العذاب» على تقدير النون. وقرئ «لذائقون العذاب» على الأصل (وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٣٩) أي إلا بما كنتم تعملونه من السيئات ، وكأنه قيل : فكيف يليق بالرحيم الكريم المتنزه عن النفع والضر أن يعذب عباده ، فأجاب الله عن ذلك بقوله : (وَما تُجْزَوْنَ) إلخ. والمعنى : أن الحكم يقتضي الأمر بالحسن والنهي عن القبيح ولا يكمل المقصود منهما إلّا بالترغيب في الثواب ، وبالترهيب بالعقاب ، وإذا وقع الإخبار عن ذلك وجب تحقيقه صونا للكلام عن الكذب ، فلهذا السبب وقعوا في العذاب (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (٤٠).
وقرأ نافع والكوفيون بفتح اللام ، أي المعصومين من الكفر. والباقون بالكسر أي المخلصين للطاعة. وهذا استثناء منقطع من ضمير «ذائقو». فالمعنى إنكم لذائقوا العذاب الأليم لكن عباد الله الموحدين المخلصين بالعبادة ليسوا كذلك ، ثم قال أبو السعود : ولا وجه لجعله استثناء من ضمير «تجزون» على معنى أن الكفرة لا يجزون إلا بقدر أعمالهم دون عباد الله المخلصين فإنهم يجزون أضعافا مضاعفة اه. (أُولئِكَ) أي المخلصون (لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) (٤١) ، أي معروف الصفة لكونه مخصوصا بخصائص خلقها الله فيه من طيب طعم ورائحة ، ولذة طعم ،