روي أن إبليس سأل ربه فقال : هل في عبيدك من لو سلطتني عليه يمتنع مني؟ فقال الله : نعم ، عبدي أيوب ، فجعل يأتيه بوساوسه وهو يرى إبليس عيانا ، ولا يلتفت إليه. فقال : يا رب إنه قد امتنع علي فسلطني على ماله ، فكان الشيطان يجيئه ويقول له : هلك من مالك كذا وكذا فيقول : الله أعطى والله أخذ ، ثم يحمد الله تعالى. فقال الشيطان : يا رب إن أيوب لا يبالي بماله فسلطني على ولده فجاء إليه وزلزل الدار فهلك أولاده بالكلية ، وأخبره به فلم يلتفت إليه. فقال : يا رب أيوب لا يبالي بولده فسلطني على جسده فأذن فيه ، فنفخ في جلد أيوب ، فحدثت أسقام عظيمة وآلام شديدة فيه ، فمكث في ذلك البلاء سنين حتى صار بحيث استقذره أهل بلده ، فخرج إلى الصحراء ، وما كان يقرب منه أحد ، فجاء الشيطان إلى امرأته ليا بنت يعقوب عليهالسلام ، وقال : إن زوجك إن استغاث بي خلصته من هذا البلاء فذكرت المرأة ذلك لزوجها ، فحلف بالله لئن عافاه الله تعالى ليجلدنها مائة جلدة ، وحين كان الألم على الجسد لم يذكر أيوب شيئا ، فلما عظمت الوساوس خاف على القلب والدين ، فتضرع ، ومن الوساوس أن الشيطان كان يذكره النعم التي كانت ، والآفات التي حصلت ومنها : أنه كان يقنطه من ربه ويزين له أن يجزع ، فشق ذلك عليه عليهالسلام فتضرع إلى الله تعالى وقال : إني مسني الشيطان بنصب وعذاب فإنه كلما كانت تلك الخواطر أكثر كان ألم قلبه منها أكثر ، فأجاب الله دعاءه وأوحى إليه بقوله تعالى : (ارْكُضْ) أي اضرب (بِرِجْلِكَ) الأرض ، فضربها ، فنبعت عين فقيل له : (هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ) أي ماء تغتسل به فيبرأ ظاهرك (وَشَرابٌ) (٤٢) ، أي وتشرب منه فيبرأ باطنك أي إن الله تعالى أظهر من تحت رجل أيوب عينا باردة طيبة ، فاغتسل وشرب منها ، فأذهب الله عنه كل داء في ظاهره وباطنه ورد عليه أهله وماله كما قال تعالى (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ) بإحيائهم بعد هلاكهم كما قاله الحسن أو بجمعهم بعد تفرقهم كما قيل (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) فكان له من الأولاد ضعف ما كان له قبل (رَحْمَةً مِنَّا) أي لأجل رحمة عظيمة عليه على سبيل الفضل منا ، لا على سبيل اللزوم (وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٤٣) ، أي ولتذكير أصحاب العقول بحاله عليهالسلام ليصبروا على الشدائد كما صبروا ، ويلجئوا إلى الله تعالى كما لجأ ليظفروا كما ظفر ، (وَخُذْ بِيَدِكَ) يا أيوب (ضِغْثاً) أي قبضة من سنبل فيها مائة سنبلة مختلطة الرطب باليابس (فَاضْرِبْ بِهِ) ، أي امرأتك رحمة بنت يوسف الصديق. لأنه قد حلف ليضربنها مائة ضربة ، لأنه لقيها إبليس في صورة طبيب فدعته إلى مداواة أيوب فقال : أداويه على أنه إذا برىء قالت : أنت شفيتني لا أريد جزاء سواه قالت : نعم ، فأشارت على أيوب بذلك ، فحلف ليضربنها وقال : ويحك ذلك الشيطان كذا حكاه ابن عباس. (وَلا تَحْنَثْ) أي لا تأثم في يمينك بترك ضربها ، ولقد شرع الله تعالى هذه الرخصة رحمة عليه وعليها لحسن خدمتها إياه ورضاه عنها (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) ، فيما أصابه في النفس والأهل والمال ، وليس في شكواه إلى الله تعالى إخلال بذلك الصبر ، فإنه يسمى جزعا كتمني العافية ، وطلب الشفاء على