لعدم سراية كفر الكافر إلى غيره أصلا (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) بالبعث بعد الموت. فأهم المطالب للإنسان أن يعرف خالقه بقدر الإمكان وأن يعرف ما يضره وما ينفعه وأن يعرف أحواله بعد الموت (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، أي يجازيكم بأعمال الكفر والإيمان في الدنيا ثوابا وعقابا. وهذا تهديد للعاصي وبشارة للمطيع (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٧) فيعلم ما في قلوبكم من الدواعي والصوارف. وقال صلىاللهعليهوسلم : «إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أقوالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»(١). (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ) ، أي الكافر كعتبة بن ربيعة وأبي جهل (ضُرٌّ) في جسمه ، أو ماله ، أو أهله ، أو ولده (دَعا رَبَّهُ) أي استجار به (مُنِيباً إِلَيْهِ) أي مقبلا إليه بالنداء في إزالة ذلك الضر ، ولم يؤمل فيه سواه ، (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ) أي أعطاه (نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) ، أي ترك دعاء ربه الذي يتضرع إليه من قبل إعطاء النعمة ، كأنه لم يفزع إليه ونسي أن لا إله سواه ، فعاد إلى اتخاذ الشركاء مع الله تعالى كما قال تعالى : (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً) أي أعدالا في العبادة (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ).
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء بعد لام العاقبة ، أي ليثبت على الضلال عن دين الإسلام والباقون بضمها أي ليضل غيره عنه. (قُلْ) للكافر : (تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) أي عش في كفرك في هذه الدنيا بقية عمرك وهذا الأمر زجر عن الكفر وتعريف لقلة تمتعه في الدنيا. (إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) (٨) أي من المعذبين في النار على الدوام ، وفي هذا إقناط للكافر من النجاة (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ).
وقرأ نافع وابن كثير وحمزة «أمن» بتخفيف الميم والهمزة «إما» للاستفهام التقريري ومقابله محذوف تقديره «أمن» هو قائم بما يجب عليه من الطاعة في ساعات الليل حالتي السراء والضراء ، كمن جعل لله أندادا ودعا عند مساس الضر فقط ، أو للنداء ، أي يا من هو قائم في ساعات الليل قل : كيت وكيت أنت من أهل الجنة. وقرأ الباقون بتشديد الميم فـ «أم» داخلة على «من» الموصولة وهي إما متصلة ومعادلها محذوف تقديره الكافر خير ، أم من هو قائم بأداء وظائف العبادات. أو منفصلة تقدر بـ «بل» والهمزة ، أي بل أمن هو مطيع لله كالكافر المقول له تمتع بكفرك (ساجِداً وَقائِماً) حال من ضمير قانت.
وقرئ بالرفع على أنه خبر بعد خبر ، (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) أي يخاف عذاب الآخرة (وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) ، أي جنة ربه فينجو مما يخافه ، ويفوز بما يرجوه. (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) توحيد الله وأمره ونهيه وهو أبو بكر وأصحابه ، (وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ذلك ـ وهو أبو جهل وأصحابه ـ ويجوز أن يراد هذا سبيل التشبيه أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون لا يستوي القانتون
__________________
(١) رواه ابن حجر في الكاف والشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١١٥).