والعاصون ، (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٩) أي إنما يتعظ بهذه البيانات الواضحة أصحاب العقول الصافية ، ولا يعرف التفاوت الحاصل بين العلماء والجهال إلّا أصحاب القلوب النيرة. وقيل لبعض العلماء : إنكم تقولون : العلم أفضل من المال ، ثم نرى العلماء يجتمعون عند أبواب الملوك ولا نرى الملوك مجتمعين عند أبواب العلماء ، فأجاب بأن هذا أيضا يدل على فضيلة العلم ، لأن العلماء علموا ما في المال من المنافع فطلبوه ، والجهال لم يعرفوا ما في العلم من المنافع فتركوه. (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ) أي قل لهم ربكم يقول : أطيعوا ربكم في الصغير والكبير من الأمور (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) ، والجار والمجرور إما صلة لأحسنوا والمعنى للذين عملوا الأعمال الحسنة في هذه الدنيا على وجه الإخلاص حسنة عظيمة في الآخرة ، وهي الجنة. وإما صلة لحسنة. والمعنى : الذين أحسنوا في هذه الدنيا أمن وصحة وكفاية (وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ) ، أي فإن لم يتمكنوا من صرف الهمم إلى الإحسان في بلادهم فقل لهم : فإن أرض الله واسعة فلتهاجروا من تلك البلاد إلى بلاد تقدرون فيها على الاشتغال بالعبادات ، واقتدوا بالأنبياء والصالحين في مهاجرتهم إلى غير بلادهم ليزدادوا طاعة إلى طاعتهم ، لأنه لا عذر ألبتة للمقصرين في الإحسان (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ) على مفارقة أوطانهم وعشائرهم ، واحتمال البلايا في طاعة الله تعالى (أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (١٠) ، أي بغير نهاية بهنداز ونحوه. (قُلْ) يا أشرف الرسل لكفار قريش ـ حيث قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : ما حملك على هذا الدين الذي أتيتنا به ، ألا أنتظر إلى ملة أبيك وجدك وسادات قومك ، يعبدون اللات والعزى ، فتأخذ بها ـ : (إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) (١١) أي العبادة عن شوائب الشرك والرياء وغير ذلك ، (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) (١٢) أي وأمرت بأن أكون أول من تمسك بالعبادات التي أرسلت بها ، فإني لست من الملوك الجبابرة الذين يأمرون الناس بأشياء وهم لا يفعلون ذلك ، بل كل ما أمرتكم به فأنا أول الناس شروعا فيه ، وأكثرهم مداومة عليه ، والعبادة لها ركنان : عمل القلب ، وعمل الجوارح. فعمل القلب : هو الإخلاص ، وعمل الجوارح : هو الإسلام. وهذا فائدة إتيان الأمر مرتين ، ثم بيّن الله أن هذا الأمر للوجوب فقال : (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٣) ومعنى هذا العصيان ترك الأمر الذي تقدم ذكره (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) (١٤) ، أي لا أعبد أحدا سوى الله. والأول إخبار بأنه صلىاللهعليهوسلم مأمور من جهة الله تعالى بالإتيان بالعبادة وإخلاص القلب له تعالى. وهذا إخبار بأنه صلىاللهعليهوسلم أمر أن لا يعبد أحدا غير الله ، وإخبار بامتثاله صلىاللهعليهوسلم بالأمر على أبلغ وجه ، (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ) أن تعبدوه (مِنْ دُونِهِ) تعالى. وفي هذا دلالة على شدة الغضب عليهم. (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، أي حين يدخلون النار حيث أوقعوهما في هلكة لا هلكة وراءها ، (أَلا) أي تنبهوا لهذه الخسرة العظيمة ، (ذلِكَ) أي الأمر العظيم (هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) (١٥) ، فلا خسران وراءه ، فكل خسران يصير في مقابلته كلا خسران ،