(لَهُمْ) أي لهؤلاء الخاسرين (مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ) أي قطع كبار (مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) ، أي فراش من النار. والمراد إحاطة النار بهم من جميع الجوانب ، وإنما سمي ما تحتهم بالظلل ، لأن التي تكون تحتهم تكون ظللا لآخرين تحتهم ، لأن النار دركات وأيضا إن الظلة التحتانية تشابه الفوقانية في الحرارة والإحراق (ذلِكَ) العذاب هو الذي (يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) المؤمنين ليخلصوا في الطاعة ، (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) (١٦) أي يا أيها المؤمنون بالغوا في الخوف والحذر ، (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) أي الشيطان (أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ) أي أقبلوا إليه بالطاعات (لَهُمُ الْبُشْرى) بنوع من الخير عند قرب الموت ، وعند الوضع في القبر ، وعند الخروج منه ، وعند الوقوف في عرصة القيامة وعلى باب الجنة. وقوله تعالى : (أَنْ يَعْبُدُوها) بدل الاشتمال. والمعنى : والذين تركوا عبادة الشيطان إلخ ، فإن عبادة غير الله تعالى عبادة للشيطان إذ هو الآمر بها ، (فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ).
وعن ابن عباس أن المراد من هذا الرجل يجلس مع القوم ، ويسمع الحديث في ذلك المجلس محاسن ومساوئ ، فيحدث بأحسن ما سمع ، ويترك ما سواه.
وقرأ السوسي «عبادي» بياء مفتوحة في الوصل ساكنة في الوقف. والباقون بغير الياء. (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) للصواب ولمحاسن الأمور (وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) (١٨) أي هم ذوو العقول السليمة عن منازعة الهوى ، (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) (١٩) أي أفمن ثبت عليه كلمة العذاب أفأنت تهدي من هو منغمس في الضلال بدعائك له إلى الإيمان فتنقذه من النار. وهذا تنبيه على أن المحكوم عليه بالعذاب بمنزلة الواقع في النار. وكان النبي صلىاللهعليهوسلم يحرص على إيمان قوم ، وقد سبقت لهم من الله الشقاوة ، فنزلت هذه الآية.
قال ابن عباس : نزلت في حق أبي لهب وولده ومن تخلف من عشيرة النبي صلىاللهعليهوسلم عن الإيمان. (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) بأن أطاعوه (لَهُمْ غُرَفٌ) أي منازل في الجنة رفيعة (مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ) أي من فوق تلك المنازل منازل أرفع منها (مَبْنِيَّةٌ) أي قوية كبناء المنازل المبنية على الأرض في الأحكام بخلاف منازل الدنيا ، فالفوقاني فضيلته الارتفاع ونقصانه السخافة ، والتحتاني فضيلته القوة ونقصانه التسفل. أما منازل الجنة فهي مستجمعة للفضائل ، فهي مرتفعة قوية وقوله تعالى : (لكِنِ) إضراب عن قصة إلى قصة مخالفة للأولى ، وليست للاستدراك (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي تجري من تحت تلك الغرف الفوقانية والتحتانية الأنهار المختلفة من غير تفاوت بين العلو والسفل (وَعْدَ اللهِ) أي وعدهم الله بذلك وعدا ، وهو مصدر مؤكد لمضمون الجملة أن الله (لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ) (٢٠) أي وعده للمؤمنين. وفي الآية دقيقة شريفة وهي أنه تعالى لم يذكر في آيات الوعيد ألبتة مثل هذا التأكيد ، وذلك يدل على أن جانب الوعد من جانب الوعيد. أما قوله تعالى : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) [ق : ٢٩] ليس تصريحا بجانب الوعيد بل هو كلام