يَعْلَمُونَ) (٢٦) عذاب الآخرة ما كذبوا رسلهم ، ولكن لا علم لهم أصلا ، (وَلَقَدْ ضَرَبْنا) بيّنا (لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي وجه يحتاج إليه الناظر في أمور دينه (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٢٧) ، أي كي يتعظوا به (قُرْآناً عَرَبِيًّا) ، أي أعجز الفصحاء والبلغاء عن معارضته (غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) أي بريئا عن التناقض.
وقيل : أي غير مخالف لسائر الكتب كالتوراة والإنجيل والزبور بالتوحيد. وقال السدي : أي غير مخلوق. (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٢٨) أي لكي يتقوا بالقرآن عما نهاهم الله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً) فـ «مثلا». مفعول ثان لـ «ضرب» و «رجلا» مفعوله الأول. (فِيهِ شُرَكاءُ) أي سادات (مُتَشاكِسُونَ) أي متخالفون ، سيئة أخلاقهم (وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ) ، أي ورجلا خالصا لسيد واحد.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو «سالما» بالألف وكسر اللام. والباقون بفتح السين واللام بغير الألف.
وقرئ «سلما» بفتح السين وكسرها مع سكون اللام. وقرئ «ورجل سالم» بالرفع على الابتداء ، أي وهناك رجل سالم لرجل (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) أي صفة ، أي هل يستوي حالاهما وصفتاهما. والمعنى اضرب يا أشرف الرسل لقومك مثلا وقل : ما تقولون في رجل مملوك قد اشترك فيه شركاء بينهم تنازع ، فكل واحد منهم يدّعي أنه عبده ، فهم يتجاذبون في حوائجهم ، وهو متحيّر في أمره ، فكلما أرضى أحدهم غضب الباقون ، وإذا احتاج في مهم إليهم ، فكل واحد منهم يرده إلى الآخر فهو يبقى متحيرا لا يعرف أيهم أولى بأن يطلب رضاه ، وأيهم يعينه في حاجاته فهو بهذا السبب يلقى منهم التعب العظيم ، وفي رجل آخر له مخدوم واحد يخدمه على سبيل الإخلاص وذلك السيد يعينه على حاجاته ، فإن أطاعه عرف له وإن أخطأ صفح عن خطأه فأيّ هذين العبدين أحسن حالا وأحمد شأنا ، وأقل تعبا وهذا مثل ضربه الله الكافر الذي يعبد آلهة شتى ، والمؤمن الذي يعبد الله وحده. (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي لما بطل القول بإثبات الشركاء وثبت أنه لا إله إلّا الله الواحد الأحد ثبت أن الحمد له لا لغيره ، (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٢٩) أن الحمد له تعالى لا لغيره وأن المستحق للعبادة هو الله لا غيره ، ويقال : لا يعلمون أمثال القرآن (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ) أي كفار مكة (مَيِّتُونَ) (٣٠) أي إنك وإياهم ، وإن كنتم أحياء في أعداد الموتى (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (٣١) أي تتكلمون أنتم ورؤساء الكفار بالحجة. والمراد أن هؤلاء الأقوام وإن لم يلتفتوا إلى هذه الدلائل القاهرة بسبب استيلاء الحرص والحسد عليهم في الدنيا ، فلا تبال يا أشرف الرسل بهذا ، فإنك ستموت وهم سيموتون أيضا ، ثم تحشرون يوم القيامة وتختصمون عند الله تعالى ، والعادل الحق يحكم بينكم ، فيوصل إلى كل واحد ما هو حقه وحينئذ يتميز الحق من الباطل ، (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ) أي لا أحد أظلم ممن أثبتوا لله ولدا.