وَحْدَهُ) دون الآلهة (اشْمَأَزَّتْ) أي انقبضت (قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) ، أي بالبعث بعد الموت حتى يظهر أثر ذلك الانقباض في أديم الوجه ، (وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) أي فرادى ، أو مع ذكر الله (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (٤٥) حتى يظهر أثر ذلك السرور في بشرة الوجه. (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) ، أي يا عالم ما غاب عن العباد وما علموه ، (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ) من أمر الدين. وعن أبي سلمة قال : سألت عائشة رضياللهعنها بم كان يفتتح رسول الله صلىاللهعليهوسلم صلاته بالليل؟ قالت : كان يقول : «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك لتهدي من تشاء إلى صراط مستقيم»(١). (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي لو أن لهؤلاء الكفار جميع ما في الدنيا من الأموال ومثله معه لجعلوا كل ذلك فدية لأنفسهم من العذاب الشديد يوم القيامة ، (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) (٤٧) ، أي ظهر لهم من فنون العقوبات ما لم يكن في حسابهم (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي وظهر لهم سيئات كسبهم حين تعرض عليهم صحائفهم ، (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٤٨) أي أحاط بهم من كل الجوانب جزاء ما كانوا يستهزئون به ، (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ) أي الكافر (ضُرٌّ) أي فقر ومرض ، (دَعانا) أي يفزعون إلينا ويعتقدون أن دفع ذلك لا يكون إلّا منّا ، (ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا) أي إذا أعطيناه مالا أو عافية في البدن تفضلا منا. (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) أي خير علمه الله مني ، فإن كانت النعمة سعة في المال قال : إنما حصل هذا بكسبي ، وإن كانت صحة قال : إنما حصلت هذه الصحة بسبب العلاج الفلاني. (بَلْ هِيَ) أي النعمة (فِتْنَةٌ) أي اختبار أيشكر أم يكفر ، ذلك لأن عند حصولها يجب الشكر وعند فواتها يجب التصبر ، ويختبر بها من أوتي النعمة. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) أي هؤلاء القائلين هذا الكلام (لا يَعْلَمُونَ) (٤٩) أي هذا التخويل ، إنما كان لأجل اختبار أي إنا نتفضل على ذلك الإنسان وهو يظن أنه إنما وجده بالاستحقاق ، (قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي قد قال الذين من قبل قومك يا أفضل الخلق مثل هذه المقالة ـ وذلك مثل قارون وغيره ـ (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٥٠) أي فما دفع عنهم ما كانوا يكسبون من متاع الدنيا ، ويجمعون منه شيئا من عذاب الله ، (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي بل أصابهم جزاء أعمالهم من العذاب ، (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا) بالعتو (مِنْ هؤُلاءِ) أي من مشركي قومك (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي عقوبات ما عملوا كما أصاب الأمم ، (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٥١) أي هم لا يعجزونني في الدنيا
__________________
(١) رواه المتقي الهندي في كنز العمال (٣٠٤٠) ، والعقيلي في الضعفاء (٤ : ٢٣١) ، والسيوطي في اللئالئ المصنوعة (١ : ٤٥) ، وابن العراقي في تنزيه الشريعة (١ : ١٩٢).