والآخرة. (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) ، أي أقالوا ذلك ولم يعلموا أن الله يوسع الرزق لمن يشاء ، وإن كان لا قوة له ويضيق الرزق لمن يشاء ، وإن كان قويا شديد الحيلة ، وليس ذلك لأجل الطبائع والأنجم لأن الساعة التي ولد فيها السلطان قد ولد فيها أنواع الناس ، وأنوع الحيوانات ، وأنواع النباتات ، وحدوث هذه الأشياء الكثيرة في الساعة الواحدة مع كونها مختلفة في السعادة والشقاوة دليل على أن المؤثر فيه هو الله تعالى وحده دون الطوالع قال الشاعر :
فلا السعد يقضي به المشتري |
|
ولا النحس يقضي علينا زحل |
ولكنه حكم رب السما |
|
وقاضي القضاة تعالى وجل |
(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي البسط والتضييق (لَآياتٍ) دالة على أن الحوادث كلها من الله تعالى (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥٢) إذ هم المستدلون بها على مدلولاتها. (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) ، أي أفرطوا في الجناية عليها بالمعاصي.
وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي بسكون الياء وسقوطها في الوصل. والباقون بفتحها وكلهم يقفون بإثبات الياء إلا في بعض روايات أبي بكر عن عاصم ، فإنه يقف بغير ياء. (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) لا تيأسوا من مغفرة الله وتفضله ، أي واقلعوا عن ذنوبكم فإنها قاطعة عن الخير مبعدة عن الكمال ، (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) ، أي بالتوبة إذا صحت توبته ، ومن مات قبل أن يتوب فهو موكول إلى مشيئة الله تعالى فيه ، فإن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ، ثم يدخله الجنة بفضله ورحمته. فالتوبة واجبة في كل واحد وخوف العقاب قائم. (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٥٣) لمن تاب من الكفر وآمن بالله.
قيل : إن هذه الآية نزلت في أهل مكة فإنهم قالوا : يزعم محمد أن من عبد الأوثان وقتل النفس لم يغفر له ، وقد عبدنا وقتلنا فكيف نسلم؟ وعن ابن عمر قال : كنا معشر أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم نرى ليس شيء من حسناتنا إلّا وهي مقبولة حتى نزلت : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) [محمد : ٣٣] فلما نزلت هذه الآية قلنا : ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقيل لنا : الكبائر والفواحش فكنا إذا رأينا من أصاب منها شيئا خفنا عليه ، ومن لم يصب منها شيئا رجونا له. فأنزل الله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) وأراد بالإسراف ارتكاب الكبائر. (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) ، أي أقبلوا إلى ربكم بالتوبة من الكفر ، (وَأَسْلِمُوا لَهُ) أي أطيعوا الله (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ) إن لم تتوبوا ، (ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (٥٤) أي لا تمنعون من عذاب الله ـ نزلت هذه الآية في وحشي وأصحابه ـ (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) وهو القرآن لقوله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً).