وقال الحسن معناه : والتزموا إطاعة الله واجتنبوا معصية الله فإن الذي أنزل على ثلاثة أوجه ذكر القبيح ليتجنب عنه ، والأدون لئلا يرغب فيه. والأحسن ليتبع وليتقوّى به. (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (٥٥) بمجيئه لتتأهبوا له ، (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ) مفعول لأجله ، أي أنيبوا إلخ كراهة أن تقول نفس : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) أي يا ندامتا على تفريطي في حق الله وأمره وطاعته ، (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) (٥٦) أي والحال إني كنت لمن المستهزئين بدين الله وأهله ، (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي) أي بيّن لي الإيمان (لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٥٧) أي من الموحدين (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً) أي رجعة إلى دار الدنيا ، (فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٥٨) في العقيدة والعمل. فيقول الله تعالى ردا على ذلك : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي) أي وهي القرآن ، مرشدة لك (فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ) أي تكبرت عن الإيمان بها (وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٥٩). فبيّن الله تعالى أن الحجة عليهم لله لا أن الحجة لهم على الله. (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ) بأن وصفوه بما لا يليق بشأنه تعالى كاتخاذه تعالى الولد. وكقولهم : إن الله تعالى حرم البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام. وبأن وصفوا الأصنام بالآلهة. (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) سوادا مخالفا لسائر أنواع السواد وهو سواد يدل على الجهل بالله والكذب على الله ، (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) (٦٠)؟ أي منزل للمتكبرين عن الإيمان والطاعة. (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ).
وقرأ حمزة والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم «بمفازاتهم» بالجمع ، أي ينجي الله الذين بالغوا في وقاية أنفسهم من غضبه تعالى من منزل المتكبرين ملتبسين بفوزهم بمطلوبهم الذي هو الجنة ، فكما وقاهم الله في الدنيا من المخالفات حماهم في الآخرة من العقوبات ، (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) أي العذاب ، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦١) على فائت ، لأنه لا يفوت لهم شيء أصلا.
وقيل : المعنى أن النجاة في القيامة حصلت بسبب فوزهم في الدنيا بالطاعات والخيرات ، ثم فسرت تلك النجاة بقوله تعالى : (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) إلخ (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) من خير وشر وإيمان وكفر بمباشرة الكاسب لأسبابها ، (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (٦٢) أي إن الأشياء كلها موكولة إليه تعالى ، فهو القائم بحفظها وتدبيرها من غير منازع ولا مشارك ، فيتولى التصرف فيها كيفما يشاء (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي له تعالى مفاتيحها لا يتمكن من التصرف فيها غيره.
وقيل : سأل عثمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن تفسير قوله تعالى : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فقال : «يا عثمان ما سألني عنها أحد قبلك ، تفسيرها : لا إله إلّا الله ، والله أكبر ، سبحان الله ، وبحمده ، أستغفر الله ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله ، هو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، بيده