ظفر ، وكان منافقا قد أظهر الإسلام ، وكان من قوم يعبدون البقر ، وكان قد ربّاه جبريل فكان يغذيه من أصابعه الثلاثة ، فيخرج له من أحدها لبن ، ومن الأخرى سمن ، ومن الأخرى عسل. وذلك لأن فرعون لما شرع في ذبح الولدان ، كانت المرأة من بني إسرائيل ، تأخذ ولدها وتلقيه في حفيرة أو كهف من جبل ، أو غير ذلك ، وكانت الملائكة تتعهد هذه الأطفال بالتربية حتى يكبروا فيدخلوا بين الناس.
وقرئ وأضلّهم السامري على صيغة التفضيل ، أي أشدهم ضلالا السامري ، وهو منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة. (فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ) ، بعد ما استوفى الأربعين ليلة وأخذ التوراة (غَضْبانَ أَسِفاً) ، أي حزينا.
روي أنه لما رجع موسى سمع الصياح ، وكانوا يرقصون حول العجل ، فقال للسبعين الذين كانوا معه : هذا صوت الفتنة ، (قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) بأن يعطيكم التوراة ، فيها ما فيها من الهدى؟ (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) أي أوعدكم ذلك فطال عليكم مدة الإنجاز ، ومدة نعم الله تعالى عليكم من إنجائه إياكم من فرعون ، أفنسيتم ذلك العهد أو تعمدتم المعصية؟! (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) بسبب عبادة العجل (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) (٨٦) ، بالإقامة على طاعة الله تعالى؟ (قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا).
قرأ حمزة والكسائي بضم الميم ، أي بسلطاننا وقوتنا. ونافع وعاصم ، بفتح الميم. وأبو عمرو وابن عامر وابن كثير بالكسر أي بأمر كنا نملكه ونريده. (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ). قرأ ابن كثير ، ونافع ، وحفص ، وابن عامر بضم الحاء ، وكسر الميم مشددة ، أي أمرنا أن نحمل أحمالا من حليّ القبط التي استعرناها منهم ، حين هممنا بالخروج من مصر باسم العرس وفي الواقع ليس للعرس ، أي فإن موسى أمرهم باستعارة الحليّ والخروج بها. وقرأ حمزة والكسائي ، وأبو عمرو ، وعاصم ، في رواية أبي بكر بفتح الحاء والميم مخففة ، أي حملنا مع أنفسنا ما كنا استعرناه من حليّ آل فرعون ، (فَقَذَفْناها) أي فطرحنا الحليّ في النار بأمر السامري.
روي أنه قال لهم : إنما تأخر عنكم مجيء موسى عليهالسلام لما معكم من الأوزار ، أي فهو محبوس عقوبة بالحلي ، فالرأي أن تحفروا لها حفيرة ، وتوقدوا فيها نارا ، وتقذفوها فيها لتخلصوا من ذنبها. (فَكَذلِكَ) ، أي فمثل ذلك القذف ، (أَلْقَى السَّامِرِيُ) (٨٧) ما كان معه منها ، (فَأَخْرَجَ) أي السامري (لَهُمْ عِجْلاً) أي صورة عجل من تلك الحلي المذابة ، أي فصاغ لهم السامري من الذهب الذي ألقوا في النار في ثلاثة أيام ، (جَسَداً) أي حال كون العجل جسدا صغيرا من ذهب بلا روح. (لَهُ خُوارٌ) أي صوت يسمع. أي أن السامري صوّر صورة على شكل العجل. وجعل فيها منافذ ومخارق ، بحيث تدخل فيها الرياح ، فيخرج صوت يشبه صوت العجل.