النَّارِ) (٦) ، أي كما ثبت حكمه تعالى بالتعذيب على أولئك الأمم الكاذبة على رسلهم ، ثبت على الذين كفروا وتحزبوا عليك كونهم مستحقي أشد العقوبات التي هي عذاب النار. فقوله تعالى : (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) في محل رفع بدل من قوله تعالى : (كَلِمَةُ رَبِّكَ) أو في محل نصب بحذف لام التعليل ، أي لأنهم ملازمو النار أبدا.
وقرأ نافع وابن عامر «كلمات» بالجمع. (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) وهم في الدنيا أربعة ، وفي يوم القيامة ثمانية ، أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش ، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم ، (وَمَنْ حَوْلَهُ) وهم الكروبيون وهم سادات الملائكة ، (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ).
قال شهر بن حوشب : وحملة العرش يوم القيامة ثمانية : فأربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك ، لك الحمد على علمك وحلمك. وأربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك ، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ا هـ. ولا شك أن حملة العرش أشراف الملائكة وأكابرهم.
روي في الحديث : «أن الله تعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلا لهم على سائر الملائكة» (١). (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ). وهذا تنبيه على أن الله تعالى لو كان حاضرا بالعرش لكان حملة العرش والحافون حوله يشاهدونه ولما كان إيمانهم بوجود الله موجبا للمدح ، لأن الإقرار بوجود شيء حاضر معاين لا يوجب الثناء ، ألا ترى أن الإقرار بوجود الشمس وكونها مضيئة لا يوجب المدح ، فلما ذكر الله تعالى إيمانهم بالله على سبيل المدح والتعظيم علم أنهم آمنوا به من غير أن يشاهدوه تعالى حاضرا هناك ، (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) شفقة على خلق الله ، وقد ثبت أن كمال السعادة مربوط بأمرين : التعظيم لأمر الله ، والشفقة على خلق الله. ويجب أن يكون التعظيم لأمر الله مقدما على الشفقة لخلق الله ، فالتسبيح مشعر بالتعظيم لله والدعاء للمؤمنين مشعر بالشفقة عليهم. وقيل : هذا الاستغفار في مقابلة قولهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) [البقرة : ٣٠]. فلما صدر هذا منهم أولا تداركوه بالاستغفار لمن تكلموا فيهم ، وهو كالتنبيه لغيرهم على أنه يجب على من تكلم في أحد بشيء يكرهه أن يستغفر له ، وعلى من آذى غيره أن يجبره بإيصال نفع إليه. (رَبَّنا) وهذا معمول لقول مضمر في محل نصب على الحال من فاعل «يستغفرون» أي قائلين (رَبَّنا) إلخ. وهذا دليل على أن السنة في الدعاء أن يبدأ فيه بالثناء على الله تعالى ، ثم يدعو عقبه فإن الملائكة لما زعموا على الدعاء للمؤمنين بدءوا
__________________
(١) رواه ابن كثير في التفسير (١ : ٨٧) ، والقرطبي في التفسير (٢ : ٢٠٩) ، وابن حجر في الكاف والشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١٤٤).