بالثناء فقالوا ربنا : (وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) ، أي وسعت رحمتك وعلمك ، فكل موجود نال من رحمة الله نصيبا ، لأن وجود الممكن بإيجاده تعالى ، فذلك رحمة فلا موجود غير الله إلّا وقد وصل إليه نصيب من رحمة الله ، وعلمه تعالى محيط بجميع المعلومات التي لا نهاية لها من الكليات والجزئيات ، (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا) من الكفر ، وإن أصروا على الفسق بأن تقسط العقاب عنهم ، (وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) في الشريعة (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) (٧) أي ادفع عنهم عذاب النار (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) إياها.
وقرئ «جنة عدن» (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) و «من» معطوف على مفعول «أدخل» ، أي وأدخل معهم في الجنة من آمن من هؤلاء الطوائف الثلاثة ليتضاعف ابتهاجهم.
قال سعيد بن جبير : يدخل المؤمن الجنة فيقول : أين أبي أين زوجتي أين ولدي؟ فيقال له : إنهم لم يعملوا مثل عملك فيقول : إني كنت أعمل لي ولهم فيقال : أدخلوهم الجنة فإذا اجتمع بأهله في الجنة كان أكمل في سروره ولذته.
وقرأ ابن أبي عبلة «صلح» بضم اللام. وقرأ عيسى «وذريتهم» بالإفراد (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) ، أي القادر الذي لا يساويه أحد في القدرة (الْحَكِيمُ) (٨) أي الذي لا يفعل إلّا ما تقتضيه الحكمة ، (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) أي ادفع عنهم العقوبات عند موقف القيامة ، وعند الحساب والسؤال أو صنهم في الدنيا عن العقائد الفاسدة. والأعمال الفاسدة (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ) أي ومن تدفع عنه العقوبات ، أو من تصنه في الدنيا عن المعاصي ، (فَقَدْ رَحِمْتَهُ) أي عصمته وعظمته ، (وَذلِكَ) أي الرحمة (هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٩) حيث وجدوا بأعمال منقطعة نعيما لا ينقطع ، وبأعمال حقيرة ملكا لا تصل العقول إلى كنه عظمته. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ) (١٠). أي إن الذين كفروا يناديهم خزنة جهنم لإنكار الله لكم في الدنيا حين تدعون من جهة الأنبياء إلى الإيمان فتأبون قبوله وتختارون عليه الكفر اتباعا لأنفسكم الأمارة بالسوء ، أو اقتداء بأخلائكم المضلين أكبر من إنكاركم أنفسكم الأمارة بالسوء الآن ، أو من إنكار بعضهم بعضا اليوم ، وذلك أنهم إذا شاهدوا القيامة والجنة والنار مقتوا أنفسهم على إصرارهم على تكذيب هذه الأشياء في الدنيا ، أو أن الأتباع يشتد مقتهم الآن للرؤساء الذين دعوهم إلى الكفر في الدنيا ، والرؤساء يشتد إنكارهم للأتباع الآن أيضا ، و «إذ» ظرف لـ «المقت» الأول. وقيل : يناديهم المتقون في الآخرة من مكان بعيد وهم في النار ، وإذ تدعون تعليل لما بين الظرف والسبب. والمعنى : لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقتكم أنفسكم الآن لما كنتم تدعون إلى الإيمان فتكفرون. (قالُوا) أي الكفار : (رَبَّنا