أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) أي إماتتين ، مرة بقبض أرواحنا ، ومرة بعد ما سألنا منكر ونكير في القبور. (وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) أي إحياءتين ، مرة عند سؤال منكر ونكير في القبور ، ومرة عند البعث. وهذا أنسب بحالهم فإن مقصودهم تعديد أوقات البلاء ، وهي أربعة : الموتة الأولى ، والحيلة في القبر. والموتة الثانية ، والحياة في القيامة فهذه الأربعة أوقات المحنة. فأما الحياة في الدنيا فليست من أقسام أوقات البلاء ، فلهذا السبب لم يذكروها ، (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) أي بشركنا وجحدونا بالبعث ، (فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (١١)؟ أي فهل إلى خروج من النار ورجوع إلى الدنيا لنصلح أعمالنا من سبيل ، أي طريق فأجاب الله تعالى لهم بقوله : (ذلِكُمْ) أي العذاب في النار والمقت (بِأَنَّهُ) أي بسبب أن الشأن (إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ) أي إذا عبد الله منفردا كفرتم بتوحيده ، (وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) أي إن يجعل له شريك تصدقوا بالإشراك. ويقال : ذلكم ، أي عدم سبيل خروج لكم إنما وقع بسبب كفركم بتوحيد الله تعالى وإيمانكم بالإشراك به (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) (١٢) فالله أعلى كل شيء وأكبر كل شيء بحسب القدرة والإلهية ، وذلك حيث حكم عليكم بالعذاب السرمدي ، (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) ، أي علامات وحدانيته وقدرته (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) أي سبب رزق وهو المطر ، فالله تعالى راعى مصالح أديان العباد بإظهار الآيات وراعي مصالح أبدانهم بإنزال الرزق من السماء. فالآيات لحياة الأديان والأرزاق لحياة الأبدان ، وعند حصولهما يكمل الأنعام.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بسكون النون (وَما يَتَذَكَّرُ) ، أي وما يتعظ بتلك الآيات الباهرة (إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) (١٣) ، أي إلا من يقبل على الله بالكلية ويعرض عن غير الله (فَادْعُوا اللهَ) ، أي فاعبدوا الله أيها المؤمنون ، (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) من الشرك ومن الالتفات إلى غير الله ، (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (١٤) إخلاص العبادة منكم ، (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) أي الله العظيم الصفات فهو تعالى أرفع الموجودات في جميع صفات الجلال والكمال ، لأنه واجب الوجود لذاته ، وهو أول وآخر لكل ما سواه ، وليس له أول وآخر ، وهو عالم بجميع الذوات والصفات ، والكليات والجزئيات ، وهو غني عن كل ما سواه ، وهو واحد يمتنع أن يحصل له ضد وند ، وشريك ونظير.
وقرئ «رفيع الدرجات» بالنصب على المدح. (ذُو الْعَرْشِ) أي مالكه ومدبره وخالقه ، وهذان خبران آخران لـ «هو». (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ) أي ينزل الوحي الجاري من القلوب منزلة الروح من الأجساد هو أمره تعالى ، (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) وهم الأنبياء ، (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) (١٥) ، والفاعل يعود إلى «من يشاء» وهو الملقى عليه.
وقرئ لتنذر على أن الفاعل هو الروح ، لأنها قد تؤنث وهذا الفعل ينصب مفعولين محذوفين ، أي لينذر من يختاره الله الناس العذاب يوم القيامة أو إن المفعول الثاني هو يوم التلاق