وقرأ نافع وأبو عمرو «وأن يظهر» بالواو الجامعة بين أمرين. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم «أو يظهر» بفتح الياء والهاء ورفع «الفساد» فالقراءات السبعية أربعة : ثنتان مع «أو» وهما : نصب «الفساد» ورفعه. وثنتان مع «الواو». كذلك ، وقرئ «يظهر» بتشديد الظاء والهاء أي يتتابع (وَقالَ مُوسى) لقومه حين سمع ما يقوله اللعين من حديث قتله (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) (٢٧) ، وموسى عليهالسلام ولم يأت في دفع شر فرعون إلّا بأن استعاذ بالله واعتمد على فضل الله ، فصانه الله عن كل بلية وأوصله إلى كل أمنية ، والمسلم إذا قال عند القراءة ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فالله تعالى يصون دينه وإخلاصه عن وساوس شياطين الجن ، فكذلك إذا قال المسلم : أعوذ بالله عند توجه الآفات والمخافات ، فالله يصونه عن كل الآفات والمخافات من شياطين الإنس. (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) وكان قبطيا ابن عم لفرعون آمن بموسى سرا ، أو غريبا موحدا ، أو اسمه حزقيل أو شمعان ، (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) من فرعون وملئه خوفا على نفسه مائة سنة ، (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) أي أتقصدون قتل رجل لأجل أن يقول : ربي الله وحده من غير تأمل في أمره ، (وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بالمعجزات الظاهرات (مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ)! أي وإن كان هذا الرجل كاذبا كان ضرر كذبه عائدا عليه فاتركوه ، (وَإِنْ يَكُ صادِقاً) وقد كذبتموه ، (يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) من العذاب في الدنيا. فكان الأولى على كلا التقديرين إبقاءه حيا. والحاصل أن المقصود بيان أنه لا حاجة إلى قتله بل يكفيكم أن تعرضوا عنه وأن تمنعوه عن إظهار دينه (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) (٢٨). وهذا كلام ذو وجهين أي لو كان موسى مسرفا كذابا لما هداه الله تعالى إلى الأحكام ، ولما قواه بعلامات النبوة. وإن كان كذلك أهلكه الله فلا حاجة لكم إلى قتله. وهذا إشارة إلى علو شأن موسى على طريق الرمز ، وإلى التعريض لفرعون بأن الله لا يهديه منهاج النجاة ، لأنه مسرف في عزمه على قتل موسى ، كذاب في جرأته على ادّعاء الإلهية ، والله تعالى لا يهدي من هذا شأنه ، بل يهدم أمره ، ولما أقام مؤمن آل فرعون أنواع الدلائل على أنه لا يجوز الإقدام على قتل موسى خوفهم في ذلك بعذاب الله فقال : (يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ) أي عالين الناس في أرض مصر فلا يقاومكم أحد في هذا الوجه ، (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا) ، أي فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرضوا لعذاب الله بقتل موسى فإنه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد ، ولما قال ذلك المؤمن هذا الكلام. (قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى) أي لا أشير إليكم برأي سوى ما ذكرته أنه يجب قتله حسما لمادة الفتنة ، ولا أسر عنكم غير ما أظهره. ولقد كذب فرعون حيث كان مضمرا للخوف الشديد ، ولكنه كان يتجلد ولولاه لما استشار أحد أبدا (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) (٢٩) أي ما أدعوكم بهذا الرأي إلّا إلى طريق الصواب والصلاح.