إلى «من» على الاحتمال الأول ، وإلى «الجدال» على الاحتمال الثاني ، أي كبر من ذكر أو كبر جدالهم بغير حجة ، بل بالبناء على التقليد أو بالبناء على الشكوك الخسيسة مقتا ، (عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا) فمقت الله إظهار خزيهم وإحلال العذاب بهم ، ومقت المؤمنين لهم كراهتهم أشد الكراهة ، (كَذلِكَ) أي مثل ذلك الطبع (يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ) عن الإيمان (جَبَّارٍ) (٣٥) عن قبول الحق.
قرأ ابن عامر وأبو عمرو ، وقتيبة عن الكسائي بتنوين «قلب». والباقون بغير تنوين على الإضافة ، ويشهد لهذه القراءة قراءة عبد الله «على قلب كل متكبر» (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) أي بناء عاليا (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) (٣٦) ، أي أصعد الطرق (أَسْبابَ السَّماواتِ) ، أي طرقها الموصلة إليها (فَأَطَّلِعَ) أي أنظر (إِلى إِلهِ مُوسى).
وقرأ حفص عن عاصم «أطلع» بالنصب على أنه جواب الأمر ، أو منصوب على التوهم كما قاله أبو حيان ، لأن خبر «لعل» قد يجيء مقرونا بأن ، أو على أنه جواب الترجي. والباقون بالرفع عطفا على «أبلغ». والمقصود : أنه لما عرف كل أحد أن هذا الطريق ممتنع ، كان الوصول إلى معرفة وجود الله بطريق الحسن ممتنعا ، فحينئذ لا سبيل إلى معرفة الإله الذي يثبته موسى ، (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) فيما يدعيه من الرسالة ، (وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك التزيين (زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ) فانهمك فيه انهماكا لا يكف عنه بحال (وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ).
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالبناء للمفعول أي صرف فرعون عن الحق. والباقون بالبناء للفاعل أي منع فرعون الناس عن الطريق الموصلة إلى الله. وقرئ «وصد» بكسر الصاد على نقل حركة الدال إليه. وقرئ «وصد» بالرفع على أنه معطوف على «سوء عمله». وقرئ «وصدوا» أي هو وقومه. (وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ) (٣٧) ، أي وما صنع فرعون في إبطال آيات موسى إلا في هلاك. (وَقالَ الَّذِي آمَنَ) وهو حزقيل (يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ) فيما دعوتكم إليه ، (أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ) (٣٨) أي أدلكم على سبيل يؤدي سالكه إلى الخير ، وفي هذا تصريح بأن ما عليه فرعون وقومه هو سبيل الضلال. (يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) ، أي منفعة قليلة لسرعة زوالها ، فهي كمتاع البيت لا يبقى. (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ) (٣٩) ، أي الثبات ، فلا تحول عنها (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً) ، في الدنيا (فَلا يُجْزى) في الآخرة (إِلَّا مِثْلَها) أي إلا ما يقابلها في الاستحقاق ، فالكافر يعتقد في كفره كونه طاعة ، فكان عقابه في النار مؤبدا ، لأنه على عزم أن يبقى مصرا على ذلك الاعتقاد أبدا بخلاف الفاسق ، فإن عقابه منقطع فإنه يعتقد في فسقه كونه خيانة ، فيكون على عزم أن لا يبقى مصرا عليه. (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ) الذين عملوا ذلك (يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) فالآتي بالإيمان والمواظب على التوحيد مدة ثمانين سنة قد أتى بأعظم الصالحات ، وبأحسن الطاعات ، فوجب أن يدخل الجنة.