قال ابن عباس : لا ، والله ما كان له صوت قط ، وإنما كان الريح يدخل في دبره فيخرج من فيه ، فكان ذلك الصوت من ذلك. (فَقالُوا) أي السامري ومن تبعه في بادئ الرأي لمن توقف من بني إسرائيل : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ) (٨٨) ، أي موسى أن إلهه هنا فيطلبه في الطور. وفي موضع آخر أو فنسي السامري الاستدلال على حدوث الأجسام ، وأن الإله لا يحلّ في شيء ولا يحل فيه شيء. (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ) أي العجل ، (إِلَيْهِمْ قَوْلاً). أي ألا يتفكر السامري وأصحابه فلا يعلمون أنه لا يرجع إليهم كلاما. وقرئ «يرجع» بالنصب ، أي ألا ينظرون فلا يبصرون عدم رجعه إليهم ، قولا من الأقوال ، و «أن» الناصبة لا تقع بعد أفعال اليقين. (وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) (٨٩) أي ، ولا يقدر العجل على أن يدفع عنهم ضرا ، ولا أن يجرّ لهم نفعا فيخافوا كما يخافون فرعون ، ويرجوا منه كما يرجون من فرعون ، فكيف يقولون ذلك؟ (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ) ، أي من قبل مجيء موسى عليهالسلام : (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ) ، أي أوقعتم في الفتنة بالعجل ، (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) أي إن ربكم المستحق للعبادة هو الرحمن. وإنما قال هارون ذلك شفقة منه على نفسه ، وعلى الخلق.
كما قال صلىاللهعليهوسلم:«من أصبح وهمّه غيرالله فليس من الله في شيء،ومن أصبح لايهتمّ بالمسلمين فليس منهم»(١).
ويروى : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم جالس ومعه أصحابه ، إذ نظر إلى شاب على باب المسجد فقال : «من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا» (٢) ، فسمع الشاب ذلك فولّى ، فقال : إلهي وسيدي هذا رسولك يشهد عليّ بأني من أهل النار ، وأنا أعلم أنه صادق ، فإذا كان الأمر كذلك ، فأسألك أن تجعلني فداء أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وتشعل النار بي حتى تبرّ يمينه ، ولا تشعل النار بأحد آخر. فهبط جبريل عليهالسلام وقال يا محمد : بشّر الشاب بأني قد أنقذته من النار بتصديقه لك ، وفدائه أمتك بنفسه ، وشفقته على الخلق. (قالُوا) في جواب هارون عليهالسلام : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) ، أي لن نزال مقيمين على عبادة العجل ، (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) (٩١). جعلوا رجوع موسى عليهالسلام إليهم ، غاية لعكوفهم على عبادة العجل بطريق التعلل والتسويف ، وقد دسّوا تحت ذلك ، أن موسى لا يرجع بشيء مبين اعتمادا على مقالة السامري.
__________________
(١) رواه ابن عدي في الكامل في الضعفاء (٧ : ٢٥٣٠) ، والحاكم في المستدرك (٤ : ٣٢٠) ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٨ : ٨٤) ، والمتقي الهندي في كنز العمال (٤٣٧٠٦) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء (٣ : ٤٨).
(٢) رواه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٩ : ٥٢٩) ، والعراقي في المغني عن حمل الأسفار (٤ : ٢٨٢).