وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وشعبة «يدخلون» بالبناء للمفعول (يُرْزَقُونَ فِيها) أي الجنة (بِغَيْرِ حِسابٍ) (٤٠) أي بلا هنداز في الكثرة والسعة. (وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ) أي أيّ شيء من المصالح في أني أدعوكم إلى الإيمان الذي يوجب النجاة شفقة عليكم واعترافا بحقكم ، (وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) (٤١) أي وأيّ شيء تدعونني ، إلى الكفر الذي يوجب الهلاك في النار! (تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ)! أي ولأشرك بالله ما ليس بإله ، وما ليس بإله كيف يعقل جعله شريكا للإله! (وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) (٤٢)؟! أي إلى الإيمان بإله العالم ، فإنه وإن كان قادرا على التعذيب لا يغالب ، لكنه غفار يغفر كفر سبعين سنة بإيمان ساعة واحدة ، (لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ) أي حق أن الذي تدعونني إلى عبادته من الأوثان ليس له دعوة في الدنيا إلى نفسه ، لأنها جمادات ، والجمادات لا تدعو أحدا إلى عبادة نفسها أصلا وأن الله تعالى إذا قلبها حيوانا في الآخرة تتبرأ من عابديها ، (وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ) بالموت ، فأي عاقل يجوز له عقله أن يشتغل بعبادة الأشياء الباطلة ، وأن يعرض عن عبادة الإله الذي لا بد وأن يكون مرجعنا إليه ، (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ) في معصية الله كالإشراك وسفك الدماء (هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) (٤٣) ، أي ملازموها ، (فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ) من النصائح وقت الموت ووقت مشاهدة الأهوال في القيامة (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٤٤) : قيل : لما قال ذلك المؤمن هذه الكلمات قصدوا قتله ، فهرب منهم إلى الجبل ، فطلبوه ولم يقدروا عليه ، لأنه قد عول في دفع مكرهم على الله ، (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) أي شدائد مكرهم. قيل : نجا مع موسى عليهالسلام. وقيل : إنه لما فر منهم إلى الجبل أرسل فرعون ألفا ليقتلوه فأكلت السباع بعضهم ، ورجع بعضهم هاربا ، فقتل فرعون من رجع عقوبة على عدم قتله لذلك الرجل المؤمن. (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) (٤٥) ، أي أحاط بفرعون وقومه شدة العذاب وهو القتل ، والغرق ، والنار كما قال تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) بإحراقهم بها ، (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) ، أي تعرض أرواحهم في البرزخ على النار من حين موتهم إلى قيامة الساعة ، ولا يوقف على «سوء العذاب» إن جعل «النار» بدلا منه ، وإن جعل خبر مبتدأ محذوف. فالوقف على «سوء العذاب» حسن ، وكذا إن قرئ «النار» منصوبا على الاختصاص ، أو نحوه ، وإن جعل «النار» مبتدأ وخبره ما بعده فالوقف على «العذاب» تام ، (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (٤٦).
قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم بفتح الهمزة ، وكسر الخاء ، أي ويوم القيامة يقول الله لخزنة جهنم أدخلوا آل فرعون في أشد العذاب. والباقون بهمزة الوصل وضم الخاء ، والمعنى : ويوم القيامة يقال لهؤلاء الكفار : ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب وهو عذاب جهنم. (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ) أي واذكر يا أشرف الخلق لقومك وقت تخاصم بعضهم بعضا في