اللهِ) أي الذين تعبدون من الأوثان (لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ) أي الدلائل (مِنْ رَبِّي) ، وهي أن إله العالم قد ثبت كونه موصوفا بصفات الجلال والعظمة ، (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٦٦) أي أن أنقاد له وأخلص توحيدي له ، (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) فكل إنسان مخلوق من مني وهو مخلوق من الدم ، وهو يتولد من الأغذية ، وهي منتهية إلى النباتية ، والنبات إنما يكون من التراب والماء ، (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) أي دم عبيط (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ) من بطون أمهاتكم (طِفْلاً ثُمَ) يبقيكم (لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) ، أي كمالكم في القوة والعقل ، (ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً).
وقرأ نافع وأبو عمرو ، وهشام ، وحفص بضم الشين. والباقون بكسرها وقرئ «شيخا» ، (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ) ، أي من قبل الشيخوخة بعد بلوغ الأشد ، أو قبله أو قبل هذه الأحوال إذا خرج سقطا يفعل ذلك لتعيشوا ، (وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى) وهو وقت الموت (وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٦٧) ، أي ولكي تعقلوا ما في هذه الأحوال العجيبة من أنواع العبر وأقسام الدلائل ، فإن دلائل وجود الله تعالى وقدرته إما من دلائل الآفاق ، وهي : الليل ، والنهار ، والأرض والسماء. أو من دلائل الأنفس وهي : التصوير وحسن الصورة ، ورزق الطيبات. أو من عمر الإنسان وهو على ثلاث مراتب : كونه طفلا وهو في التزايد شيئا فشيئا وبلوغه كمال النشوء وظهوره في النقص. (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ، فكما أن الانتقال من صفة إلى صفة أخرى يدل على الإله القادر كذلك الانتقال من الحياة إلى الموت ، وبالعكس يدل على الإله القادر. (فَإِذا قَضى أَمْراً) أي أراد أيّ أمر كان ، (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٦٨) فعبّر الله عن نفاذ قدرته في الكائنات من غير معارض بما إذا قال : كن فيكون. (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) أي انظر إلى هؤلاء المجادلين في آياته تعالى ، الواضحة ، الموجبة للإيمان بها (أَنَّى يُصْرَفُونَ) (٦٩) أي كيف يصرفون عنها مع تعاضد الدواعي إلى الإقبال عليها ، (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ) أي بالقرآن ، (وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا) من سائر الكتب (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ) ، والوقف هنا تام أو كاف ـ كما قاله أبو عمرو ـ و «إذ» بمعنى إذا ، وهو ظرف ليعلمون ، والسلاسل عطف على الأغلال. والمعنى فسوف يعلمون وقت أن يكون الإغلال والسلاسل في أعناقهم (يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ) ، أي وهم يجرون بتلك السلاسل في الماء المسخن بنار جهنم.
وقرئ «والسلاسل يسحبون» بنصب «السلاسل» على أنه مفعول مقدم لـ «يسحبون» بفتح الياء. وقرئ «والسلاسل» بالجر على إضمار الباء كما يدل عليه القراءة به. (ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) (٧٢) أي يحرقون ، (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ) بعد أن يعذبوا بأنواع العذاب : (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللهِ) أي مع الله (قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) أي غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا نستشفع بهم ، (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً) أي بل لم نكن نعبد من قبل هذه الإعادة شيئا يضر ولا ينفع ، ولا يبصر ، ولا يسمع. وهذا اعتراف بأن عبادتهم الأصنام كانت باطلة أو يقال : بل لم نكن نعبد