النبرات التي خلقها في السموات وخصّ كل واحد بضوء معين ، وطبيعة معينة ، وسر معين ، لا يعلمها إلّا الله تعالى ـ (وَحِفْظاً) أي وحفظناها من الشياطين الذين يسترقون السمع.
وقيل : إن «حفظا» مفعول له على المعنى كأنه قيل : وخلقنا المصابيح زينة وحفظا ، فبعض النجوم زينة السماء لا يتحرك وبعضها يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، وبعضها رجوم للشياطين. (ذلِكَ) أي هذه التفاصيل (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (١٢) لأنها لا تمكن إلّا بقدرة كاملة وعلم محيط ، (فَإِنْ أَعْرَضُوا) عن قبول هذه الحجة القاهرة وأصروا على التقليد ، (فَقُلْ) لهم : (أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) أي خوفتكم عذابا هائلا ، كأنه نار معها رعد شديد (مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) (١٣).
وقرأ ابن الزبير ، والنخعي ، والسلمي ، وابن محيصن : «صعقة» مثل صعقة عاد وثمود ، وهي المرة من صيحة العذاب.
روي أن أبا جهل قال في ملأ من قريش : التبس علينا أمر محمد فلو التمستم لنا رجلا عالما بالشعر والسحر والكهانة فكلمه ، ثم أتانا ببيان عن أمره ، فقال عتبة بن ربيعة : والله لقد سمعت الشعر والسحر والكهانة ، وعلمت من ذلك علما وما يخفى علي ، فأتاه ، فقال : يا محمد أنت خيرا أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد الله؟ فلم تشتم آلهتنا وتضللنا ، فإن كنت تريد الرئاسة عقدنا اللواء ، فكنت رئيسنا وإن كنت أردت الباه زوجناك عشر نسوة تختارهن من أي بنات قريش شئت ، وإن كنت تريد المال جمعنا لك ما تستغني به ، ورسول الله ساكت ، فلما فرغ عتبة قال صلىاللهعليهوسلم : «(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) إلى قوله تعالى : (صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ)» فأمسك عتبة على فيه صلىاللهعليهوسلم وناشده بالرحم ورجع إلى أهله ، ولم يخرج إلى قريش ، فلما احتبس عنهم قالوا : لا نرى عتبة إلّا قد صبأ فانطلقوا إليه وقالوا : يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك قد صبأت ، فغضب عتبة ، وأقسم لا يكلم محمدا أبدا وقال : والله لقد كلمته فأجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا سحر ، ولا كهانة ، ولما بلغ صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود أمسكت بفيه وناشدته بالرحم ، ولقد علمت أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب ، فخفت أن ينزل بكم العذاب ، وإنما خص هاتين القبيلتين ، لأن قريشا كانوا يمرون على بلادهم ، (إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ) حال من صاعقة عاد ، أو ظرف منها منصوب بها ، لأنها بمعنى عذاب ، فالمعنى صعقة عاد وثمود وقت مجيء رسلهم إليهم (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) أي أتوهم من جميع جوانبهم ، وأتوهم بجميع وجوه الحيل ، فلم يروا منهم إلّا الأعراض ، أي جاءتهم الرسل من قبلهم ، ومن بعدهم ، أي جاءهم هود وصالح داعيين لهم إلى الإيمان بهما وبجميع الرسل ، فكأن جميع الرسل قد جاءوهم وخاطبوهم بقوله تعالى : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) فـ «أن» مفسرة بمعنى أي ، أو مخففة من الثقيلة ، أي بأنه لا تعبدوا أي بأن الحديث قولهم لهم لا تعبدوا إلّا الله ، «أو» مصدرية ، والجملة بعدها صلتها وصلت بالنهي ، كما توصل بالأمر ، أي جاءوهم بكونهم نهوهم