بمعناه ، ولما أنزلنا هذا الكتاب بلغة العرب وأنتم من أهل هذه اللغة فكيف يمكنكم ادعاء أن قلوبكم في أكنة منها ، وفي آذانكم وقر منها. وقرئ «أعجمي» على الأخيار بأن القرآن أعجمي ، والمتكلم والمخاطب عربي ، ويجوز أن يراد : هلا فصلت آياته فجعل بعضها أعجميا لإفهام العجم وبعضها عربيا لإفهام العرب. (قُلْ هُوَ) أي القرآن (لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً) ، لأنه دليل على الخيرات ويرشد إلى كل السعادات ، (وَشِفاءٌ) لأنه إذا أمكنهم الاهتداء فقد حصل لهم الهدى ، فذلك الهدى شفاء لهم من مرض الكفر والجهل ، (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) ، أي والذين لا يؤمنون هو حال كونه كائنا في آذانهم صمم فـ «وقر» خبر للضمير المقدر ، والجملة خبر الموصول ، وفي آذانهم متعلق بمحذوف ، وقع حالا من «وقر» ، (وَهُوَ) أي القرآن (عَلَيْهِمْ عَمًى).
قرأ الجمهور على صيغة المصدر. وقرأ ابن عباس «عم» على صيغة النعت. (أُولئِكَ) الموصوفون بالصمم عن الحق والعمى عن الآيات الظاهرة (يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) (٤٤) ، أي هم مثل البهيمة التي لا تفهم إلا نداء. وقيل : هم كمن ينادون من مكان بعيد لم يسمعوا ، وإن سمعوا لم يفهموا. (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أي التوراة (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) فقبله بعضهم ورده الآخرون فكذلك آتيناك هذا الكتاب فقبله بعضهم ، وهم أصحابك ، ورده آخرون ، وهم الذين يقولون : قلوبنا في أكنة ما تدعونا إليه ، (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) أي لولا عدة سبقت بتأخير العذاب في حق أمتك المكذبة إلى يوم القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) ، أي بين المكذبين والمصدقين بالعذاب الواقع بالمكذبين في الدنيا ، (وَإِنَّهُمْ) أي كفار قومك (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) ، أي من كتابك (مُرِيبٍ) (٤٥) ، أي موقع في شك ظاهر فلا ينبغي أن يستعظم استيحاشك من قولهم : قلوبنا في أكنة ما تدعونا إليه. (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) ، أي خفف يا أكرم الرسل على نفسك إعراضهم فإنهم إن آمنوا فنفع إيمانهم يعود عليهم ، وإن كفروا فضرر كفرهم يعود إليهم ، (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٤٦) وهو يوصل إلى كل أحد ما يليق بعلمه من الجزاء في يوم القيامة ، (إِلَيْهِ) أي إلى ربك (يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي لا يعلم وقت الساعة بعينه إلّا الله ، وكما أن هذا العلم ليس إلّا عند الله فكذلك العلم بحدوث الحوادث المستقبلة في أوقاتها المعينة ليس إلا عند الله تعالى ، ثم ذكر الله تعالى من أمثلة هذا الباب مثالين بقوله : (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها) أي أوعيتها ، (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ) حملها (إِلَّا بِعِلْمِهِ) أي إلا ملابسا بعلمه المحيط ، أما أصحاب الكشف فهو من إلهام الله تعالى ، وأما أصحاب علم الرمل وعلم التعبير فلا يمكنهم الجزم في شيء من المطالب ألبتة وإنما غايتهم ادعاء ظن ضعيف ، وما نافية ، ومن في ثمرات ، وفي أنثى زائدة للاستغراق.
وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم «من ثمرات» بالجمع. والباقون «من ثمرة» بالإفراد. (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) أي يوم ينادي الله المشركين (أَيْنَ شُرَكائِي) بحسب اعتقادكم؟