(قالُوا) أي يقولون متبرئين من إثبات الشريك لله تعالى : (آذَنَّاكَ) أي أخبرناك وأسمعناك (ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) (٤٧) أي ليس أحد منا يشهد بأن لك شريكا. (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ) أي غابت عنهم آلهتهم التي كانوا يعبدونها في الدنيا ، ولا يبصرونها في ساعة التوبيخ ، وظهر لهم عدم نفعها حالتئذ (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (٤٨) ، أي أيقنوا أنه ليس لهم مهرب من النار (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) ، أي من طلب السعة في أسباب المعيشة ، (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) (٤٩) أي أصابته ضيقة فهو مبالغ في قطع الرجاء من فضل الله ، ومن رحمته حتى تظهر آثاره في الأحوال الظاهرة. (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ) أي الإنسان (رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) أي من بعد شدة أصابته ، (لَيَقُولَنَّ هذا لِي) ، أي هذه الخيرات إنما حصلت لي بسبب استحقاقي لما حصل عندي من الفضائل وأعمال القربة من الله ، (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) أي أن الإنسان يكون شديد الرغبة في الدنيا عظيم النفرة عن الآخرة ، فإذا آل الأمر إلى الآخرة يقول : وما أظن الساعة تقوم. (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ) أي في الآخرة (لَلْحُسْنى) أي للحالة الحسنى من الكرامة وقوله : (إِنَّ لِي) إلخ جواب القسم لسبقه الشرط ، (فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا) أي فلنظهرن لهم أن الأمر على عكس ما تصوروه ، (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) (٥٠) أي شديد (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ) عن التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله (وَنَأى بِجانِبِهِ) ، أي تباعد عن الشكر بكليته تعظما ، (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) أي أصابه فقر (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) (٥١) ، أي أقبل على دوام الدعاء ، وأخذ في التضرع (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) (٥٢) أي قل لهم يا أشرف الخلق : أخبروني إن كان هذا القرآن من الله ، ثم كفرتم به من أضل منكم ، فإن حالكم في معاداة شديدة مع محمد صلىاللهعليهوسلم ، وإنكم كلما سمعتم هذا القرآن أعرضتم عنه وما تأملتم فيه ، وبالغتم في النفرة عنه حتى قلتم قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ، وفي آذاننا وقر (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) أي سنرى أهل مكة علامات وحدانيتنا وقدرتنا في أطراف الأرض من خراب مساكن الأمم الماضية ، كعاد وثمود ، وسنريهم ذلك في أنفسهم من الأمراض والمصائب وغير ذلك. (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) أي أن هذا القرآن هو الحق المنزل من الله ، (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٥٣) و «بربك» فاعل ، والباء مزيدة ، و «أنه» بدل منه ، أي أو لم يكفهم أن ربك على كل شيء شهيد ، ولم يغنهم أخباره للأمم الماضية (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) أي إن أهل مكة في شك عظيم من البعث والقيامة ، (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) (٥٤) أي إن الله عالم بجميع المعلومات التي لا نهاية لها فيعلم بواطن هؤلاء الكفار وظواهرهم ، ويجازي كل أحد على فعله بحسب ما يليق به ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.