وتقرير الحق بوحيه فلو كان افتراء كما زعموا لمحقه (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٢٤) فيجري عليها أحكامها اللائقة بها من المحو والإثبات ، (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ).
وروى جابر أن أعرابيا دخل مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك وكبّر ، فلما فرغ من صلاته قال له علي : يا هذا ، إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين ، فتوبتك هذه تحتاج إلى التوبة ، فقال : يا أمير المؤمنين وما التوبة؟ قال : اسم يقع على ستة معان على الماضي من الذنوب : الندامة ، ولتضييع الفرائض الإعادة ، ورد المظالم ، وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية ، وإذاقتها مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية والبكاء ، بدل كل ضحك ضحكته ، (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) ، فتارة يعفو عن الذنوب بواسطة قبول التوبة وتارة يعفو ابتداء من غير توبة ، (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) (٢٥) من خير وشر ، فيجازي التائب ويتجاوز عن غير التائب. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم على المخاطبة. والباقون بالياء على المغايبة. (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي يجيب الله دعاءهم (وَيَزِيدُهُمْ) على ما طلبوه بالدعاء (مِنْ فَضْلِهِ). وقال عطاء عن ابن عباس والمعنى : ويثيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله سوى ثواب أعمالهم تفضلا منه. (وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) (٢٦) بدل ما للمؤمنين من الثواب ، والفضل المزيد. (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) أي ولو سوى الله الرزق بين الكل لامتنع كون البعض خادما للبعض ، ولو صار الأمر كذلك لخرب العالم ، وتعطّلت المصالح.
وقال ابن عباس : ولو وسع الله المال على عباده لطلبوا منزلة بعد منزلة ، ودابة بعد دابة ، ومركبا بعد مركب ، وملبسا بعد ملبس ، (وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ) أي بتقدير (ما يَشاءُ) أن ينزله. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بسكون النون (إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) (٢٧) أي إنه عالم بأحوال الناس وبعواقب أمورهم ، فيقدر أرزاقهم على وفق مصالحهم ، (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) أي المطر الذي يغيثهم من الجدب (مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) أي من بعد يأسهم من نزوله. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم «ينزل» بتشديد الزاي. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش بكسر نون «قنطوا». (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) أي منافع الغيث وما يحصل به من الخصب ، (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) (٢٨) أي وهو الّذي يتولى عباده بإحسانه ، المحمود على ما يوصل للخلق من أقسام الرحمة ، (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) ، و «ما» معطوف على «السموات» ، أي وخلق ما نشر الله فيهما من حي. (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) (٢٩) أي وهو تعالى على جمع العقلاء للمحاسبة في أي وقت يشاء قدير ، (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) أي فهي بسبب معاصيكم التي اكتسبتموها ، فـ «ما» متضمنة لمعنى الشرط ، ولذلك جاءت الفاء في جوابها. وقرأ نافع وابن عامر «بما كسبت» بغير فاء ، فـ «ما» بمعنى الذي ، و «بما كسبت» خبره. والمعنى : والّذي