تبقى في القيامة ، بل تنقلب هذه المحبة الدنيوية بغضة في القيامة وإن كان حصول المحبة في الدنيا لأجل الاشتراك في محبة الله وفي طاعته كانت هذه المحبة باقية في القيامة ، بل كأنها تصير أصفى ما كانت في الدنيا ، ويقول الله لهم : (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ) (٦٩) أي مخلصين لنا بالعبادة ، وقد روي في هذا الحديث : أن المنادي ينادي يوم القيامة : (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ، وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) فيرفع الخلائق رؤوسهم ، فيقولون : نحن عباد الله ، ثم ينادي الثانية : (الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ) ، فينكس الكفار رؤوسهم ، ويبقى الموحدون رافعين رؤوسهم ، ثم ينادي الثالثة : (الَّذِينَ آمَنُوا) وكانوا يتقون ، فينكس أهل الكبائر رؤوسهم ، ويبقى أهل التقوى رافعين رؤوسهم قد زال عنهم الخوف والحزن كما وعدهم الله لأنه أكرم الأكرمين والموصول صفة للمنادى ، أو نصب للمدح ، وعلى هذا لا يوقف على «تحزنون». أما إن جعل مبتدأ أو خبره مضمر فالوقف على «تحزنون» تام والتقدير يقال لهم : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ) (٧٠) أي تكرمون بالتحف إكراما على سبيل المبالغة (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ) أي لهم في الجنة أطعمة وأشربة يطاف بها عليهم في قصاع من ذهب وكيزان من ذهب ، (وَفِيها) أي الجنة (ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ) من الأشياء المعقولة ، والمسموعة ، والملموسة جزاء لهم بما منعوا أنفسهم من الشهوات في الدنيا (وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) من الأشياء المبصرة جزاء ما لا تحملوه من منع أعينهم من نظر ما لا يجوز شرعا.
وقرأ نافع وابن عامر وحفص «تشتهيه» بإثبات العائد على الموصول ، والباقون بحذفه وقرئ و «تلذه» بالهاء.
(وَأَنْتُمْ فِيها) أي الجنة (خالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٧٢) أي أعطيتموها جزاء على عملكم الصالح في الدنيا (لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ) (٧٣) فلا تنفد أبدا. (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ) (٧٤) خبر «إن» و «في عذاب» متعلقة به (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) أي لا ينقص العذاب عنهم (وَهُمْ فِيهِ) أي العذاب (مُبْلِسُونَ) (٧٥) أي آيسون من النجاة. وقرأ عبد الله «وهم فيها» أي في جهنم وهذه جملة حالية ، (وَما ظَلَمْناهُمْ) بعذابهم ، (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) (٧٦) لا ، قبال أنفسهم للعذاب الخالد بقصدهم عدم الانفكاك عن الكفر ما بقوا في الدنيا ، فـ «الظالمين» خبر كان ، وقرأ عبد الله وأبو زيد «الظالمون» على أنه خبر لـ «هم» والجملة خبر كان ، (وَنادَوْا) خازن النار (يا مالِكُ). قرأ ابن مسعود «يا مال» بحذف الكاف ، وهذا دليل على أنهم بلغوا في الضعف إلى حيث لا يمكنهم أن يذكروا من الكلمة إلّا بعضها (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) ، والمعنى : سل ربك أن يميتنا لنستريح من العذاب ، وهذا تمن للموت لشدة عذابهم. (قالَ) أي مالك بعد أربعين سنة كما قاله عبد الله بن عمر ، وقيل : الضمير يعود