صوت الداعي إلى المحشر بعد القيام من القبور ، فيقبلون من كل أوب إلى جهته. والراجح أن الداعي : جبريل ، والنافخ : إسرافيل ، (لا عِوَجَ لَهُ) ، أي لا يعدل الداعي عن أحد بدعائه ، بل يحشر الكل.
(وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ) ، أي سكنت (لِلرَّحْمنِ) ، أي لهيبة الرحمن. (فَلا تَسْمَعُ) ، يا أشرف الخلق ، (إِلَّا هَمْساً) (١٠٨) ، أي وطأ خفيا كوطء الإبل ـ وهو خفق أقدامهم في مشيها إلى المحشر ـ وهذا قول ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، وابن زيد. (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) (١٠٩) أي يوم إذ يتبعون الداعي ، لا تنفع الشفاعة أحدا من الخلق ، إلا شخصا أذن لأجله في أن يشفع له ، وقبل منه قولا واحدا من أقواله ، وهو شهادة «أن لا إله إلا الله» ، بأن مات على الإسلام وإن عمل السيئات ، وهذه الآية من أقوى الدلائل على ثبوت الشفاعة في حق الفسّاق وهي نافعة لهم. (يَعْلَمُ) ، أي الرحمن (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ، أي المتبعين للداعي وهم الخلق جميعهم ، (وَما خَلْفَهُمْ) أي يعلم ما مضى من أحوالهم وما بقي منها ، (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ) ، أي بما بين أيديهم وما خلفهم (عِلْماً) (١١٠) (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) ، أي ذلّت المكلفون لله تعالى ذلّ الأسارى في يد الملك القهار. (وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) (١١١) ، أي خسر من أشرك بالله ولم يتب. (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) ، أي بعضا من الصالحات وهو الفرائض ، (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) ، فإن الإيمان شرط في الصحة والقبول. (فَلا يَخافُ ظُلْماً) أي منعا من الثواب ، (وَلا هَضْماً) (١١٢) أي نقصا من ثوابه.
وقال أبو مسلم : الظلم : نقص من الثواب ، والهضم : عدم تمام حقه من التعظيم ، لأن الثواب مع كونه من اللذات ، لا يكون ثوابا ، إلا إذا قارنه التعظيم. فنفى الله تعالى عن المؤمنين كلا الأمرين.
وقرأ ابن كثير : «فلا يخفّ» بالجزم على النهي ، أي فليأمن فالنهي عن الخوف والأمر بالأمن. (وَكَذلِكَ) ، ومثل إنزال هذه الآيات ، (أَنْزَلْناهُ) ، أي القرآن كله (قُرْآناً عَرَبِيًّا) ليفهمه العرب ، (وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) ، أي وكرّرنا في القرآن نوعا من الوعيد ، (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ). أي لكي يتقوا الكفر والفواحش. (أَوْ يُحْدِثُ) ، أي القرآن (لَهُمْ ذِكْراً) (١١٣). أي اتعاظا يدعوهم إلى الطاعات ، وفعل ما ينبغي ، فإن لم يحصل التقوى ، فأقلّ ما يحصل أن يحدث القرآن لهم شرفا وصيتا حسنا. (فَتَعالَى اللهُ) أي تنزّه عن مماثلة المخلوقات في ذاته ، وصفاته ، وأفعاله. (الْمَلِكُ) ، النافذ أمره ونهيه ، (الْحَقُ) ، أي الثابت في ملكه. (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ). أي ولا تستعجل يا أشرف الخلق بقراءة القرآن ، من قبل أن يفرغ جبريل من قراءة القرآن عليك. كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إذا ألقى إليه جبريل الوحي ، يتبعه عند تلفّظ كل حرف ، وكل كلمة ، لكمال اعتنائه بالحفظ ، فنهي عن ذلك ، وأمر باستزادة العلم من الله تعالى فقيل : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (١١٤) أي فهما لإدراك حقائقه ، فإنها غير متناهية.