من جهة الله تعالى بحجة واضحة يعترف بصحتها كل عاقل ، (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) (٢٠) أي وإني اعتصمت بربي وربكم من أن تقتلون. قيل : لما قال موسى : «وأن لا تعلوا على الله» توعدوه بالقتل (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) (٢١) أي إن لم تصدقوني ولم تؤمنوا بالله لأجل ما أتيتكم به من الحجة فخلوا سبيلي لا لي ولا علي (فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) (٢٢) أي أنهم كفروا ولم يؤمنوا ، فدعا موسى ربه بأن هؤلاء مشركون اكتسبوا الهلاك على أنفسهم فافعل بهم يا رب ما يليق بهم.
وقرأ ابن أبي اسحق ، وعيسى ، والحسن بكسر الهمزة على إضمار القول عند البصريين وعلى إجراء دعا مجرى القول عند الكوفيين (فـ) قال ربه : (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً) أي سر ليلا ببني إسرائيل قرأ نافع ، وابن كثير بالوصل ، والباقون بالقطع. (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) (٢٣) أي يتبعكم فرعون وجنوده بعد ما علموا بخروجكم ويصير ذلك سببا لهلاكهم ، (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) أي اجعل البحر طرقا واسعة حتى يدخله القبط فيغرقوا كما قال تعالى : (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) (٢٤) في البحر. وقرئ بفتح الهمزة أي لأنهم وإنما أخبره الله تعالى بذلك حتى يبقى فارغ القلب عن شرهم (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ) بفتح النون فأغرقهم الله وتركوا أمورا كثيرة من بساتين ومياه ظاهرة في البساتين ، وحروث ، ومنازل محسنة ، ومجالس مزينة ، وأمور يتمتعون بها كالملابس ، والمراكب (كانُوا فِيها) أي في هذه الأشياء (فَكِهِينَ) (٢٧) بالألف أي طيبين الأنفس معجبين.
وقرأ الحسن ، وأبو رجاء «فكهين» بدون الألف أي مستهزئين بنعمة الله تعالى (كَذلِكَ) أي مثل ذلك السلب سلبنا هذه الأشياء منهم (وَأَوْرَثْناها) أي تلك الأشياء (قَوْماً آخَرِينَ) (٢٨) أي جعلناها من بعدهم ميراثا لبني إسرائيل (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) روى أنس بن مالك : أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من عبد إلّا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه ، وباب يدخل فيه عمله ، فإذا مات فقداه وبكيا عليه». وروي في الأخبار أن المؤمن ليبكي عليه مصلاه ، ومحل عبادته ، ومصعد عمله ، ومهبط رزقه أي ولم تبك السماء والأرض على فرعون وقومه لأنهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملا صالحا ، ولم يصعد لهم إلى السماء كلام طيب ، ولا عمل صالح (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) (٢٩) أي لما جاء وقت هلاكهم لم يمهلوا إلى وقت آخر لتوبة وتدارك تقصير ، (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ) أي من العذاب الشديد الصادر من فرعون ، وهو قتل الأبناء واستخدام النساء والإتعاب في الأعمال الشاقة.
وقرئ «من عذاب المهين» أي وهو فرعون لأنه كان عظيم السعي في إهانة المحقين ، وقرأ ابن عباس «من فرعون» بمعنى الاستفهام والمعنى : هل تعرفونه من هو في عتوة وشيطنته؟ (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) (٣١) أي كان عالي الدرجة في طبقة المسرفين ، أو يقال : إنه متكبرا مسرفا