روى الترمذي ، عن أبي هريرة ، قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «اللهم انفعني بما علمتني ، وعلّمني ما ينفعني ، وزدني علما والحمد لله على كل حال ، وأعوذ بالله من حال أهل النار» (١). وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية ، قال : اللهم زدني علما ويقينا. (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ) ، أي وصّيناه أن لا يأكل من الشجرة ، (مِنْ قَبْلُ) ، أي من قبل أكله منها ، (فَنَسِيَ) عهدنا وأكل منها.
وقرئ «فنسي» بالبناء للمجهول ، وبتشديد السين ، أي فنسّاه الشيطان. (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (١١٥). أي تصميما على الاحتياط في كيفية الاجتهاد. فهو إنما أخطأ في الاجتهاد ، أو لم نجد له عزما على الذنب فإنه أخطأ ولم يتعمّد ، وهذا أقرب إلى المدح ، فـ «عزما» مفعول به ، و «له» حال منه ، أو متعلّق بـ «نجد» ، أو بـ «عزما» (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) ، أي واذكر ما وقع في ذلك الوقت منا ومنه ، حتى يتبين نسيانه لك ، وفقدان صبره عما نهيناه عنه ، (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) ، رئيسهم (أَبى) (١١٦) ، أي أظهر الإباء ، (فَقُلْنا) عقب ذلك : (يا آدَمُ إِنَّ هذا) الذي تكبّر عليك ، (عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) حواء ، لأن إبليس رأى آثار نعم الله تعالى ، في حق آدم عليهالسلام ، فإنه كان شابا عالما وإبليس كان شيخا جاهلا فأثبت فضله بفضيلة أصله ، وهو النار. وبينها وبين أصل آدم وهو الماء ، والتراب ، عداوة فثبتت تلك العداوة. (فَلا يُخْرِجَنَّكُما) ، بوسوسته (مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) (١١٧). أي فتتعب ففي طلب القوت فذلك على الرجل دون المرأة.
روي أنه هبط إلى آدم ثور أحمر وكان يحرث عليه ويمسح العرق عن جبينه. (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها) أي الجنة ، (وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا) ، أي لا تعطش (فِيها وَلا تَضْحى) (١١٩) ، أي لا يصيبك حرّ الشمس ، أو تعرق.
فالجوع : ذل الباطن. والعري : ذلّ الظاهر. والظمأ : حرّ الباطن. والضحو : حرّ الظاهر. فنفى الله عن ساكن الجنة ذل الظاهر والباطن ، وحرّ الظاهر والباطن.
وقرأ نافع ، وأبو بكر ، و «إنك» بكسر الهمزة استئناف أو عطف على «أن» الأولى. والباقون بفتحها عطف على «أن لا تجوع». (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ) ، أي أنهى إليه وسوسته ، ثم بيّن الله صورة الوسوسة بقوله تعالى : (قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) (١٢٠). أي لا يزول ولا يختل ، أي هل أدلك على الشجرة التي من أكل منها خلّد ، ولا يموت أصلا ودام ملكه ، إما على حاله ، أو على أن يصير ملكا. (فَأَكَلا مِنْها) ، أي الشجرة
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب الدعوات ، باب : ١٢٨ ، وابن ماجة في المقدّمة ، باب : الانتفاع بالعلم والعمل به.