وقرئ «جاذية» أي جالسة على أطراف الأصابع فالوقف هنا حسن ، كالوقف على «كتابها». (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) أي إلى قراءة صحائف أعمالها والعامة على رفع كل على الابتداء ، وقرأ يعقوب ككل بالنصب على البدل من كل الأولى وتدعى حال أو صفة وعلى هذا فلا وقف على «جاثية» ، ويقال لهم حالة الدعاء : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٨) من خير أو شر (هذا كِتابُنا) أي كتاب الملائكة الذي أمرناهم بكتبه (يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) خبر ثان أي يشهد عليكم بما عملتم من غير زيادة ونقصان. (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٩) أي إنا كنا فيما قبل نأمر الملائكة بإثبات أعمالكم في الكتابة وورد في الحديث : «أن الملك إذا صعد بالعمل يؤمر بالمقابلة على ما في اللوح»(١) (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ) في ذلك اليوم (رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) أي في جنته (ذلِكَ) أي الإدخال في رحمته (هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) (٣٠) أي الظاهر لخلوص الجنة من الأكدار (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) فيقال لهم بطريق التوبيخ : (أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) أي ألم تأتكم رسلي في الدنيا فلم تكن آياتي تقرأ عليكم ، (فَاسْتَكْبَرْتُمْ) عن الإيمان بتلك الآيات (وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ) (٣١) أي مذنبين بإصرار الكفر (وَإِذا قِيلَ) لكم أي وكنتم إذا قيل لكم أيها الكفار من أي قائل كان (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالثواب والعقاب (حَقٌ) أي واقع بلا شك ، وقرأ الأعرج وعمرو بن فائد بفتح الهمزة على اجراء القول مجرى الظن ، (وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها) وقرأ حمزة بالنصب عطف على «وعد الله» أي وإن الساعة آتية لا شك في وقوعها ، والباقون بالرفع على الابتداء والمعنى : وقيل «والساعة لا ريب فيها». قال الأخفش : والرفع أجود في المعنى وأكثر في كلام العرب إذا جاء بعد خبران لأنه كلام مستقل بنفسه بعد مجيء الأول بتمامه. (قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ) أي أي شيء هي إنكارا لها (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) أي ما نقول في أمر الساعة كما قلتم إلّا بالظن لإمكانه (وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) (٣٢) بقيام الساعة والقوم كانوا في أمر البعث فرقتين : فرقة جازمة بنفيه. وهم المذكورون في قوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) وفرقة كانت تشك وتتحير فيه لكثرة ما سمعوه من الرسل عليهم الصلاة والسلام ، ولكثرة ما سمعوه من دلائل القول بصحته ، وهم المذكورون في هذه الآية (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) أي ظهر لهم في الآخرة سيئات أعمالهم في الدنيا فتصورت لهم بصورة هائلة فيعرفوا مقدار جزائها (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٣٣) أي أحاط بهم عقوبة استهزائهم بالرسل (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) أي قيل لهم اليوم نترككم في العذاب كما تركتم الإقرار بهذا اليوم والعدة للقائه (وَمَأْواكُمُ النَّارُ) أي ومستقركم نار جهنم (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٣٤) أي وما لكم أحد يخلصكم منها
__________________
(١) رواه البخاري في (٩ : ٧٣) ، وابن حجر في فتح الباري (١٣ : ٧٩) ، والتبريزي في مشكاة المصابيح (٥٤٤٧) ، وابن أبي شيبة في المصنف (١٤ : ١٢٨).