هذه الأصنام تعادي هؤلاء العابدين ، (وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) (٦) أي وكانت الأصنام مكذبين بكونهم معبودين يقولون : إنهم إنما عبدوا في الحقيقة أهواءهم لأنها الآمرة لهم بالإشراك. (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧) أي وإذا يتلى على كفار أهل مكة القرآن واضحا قالوا من غير تأمل في شأن القرآن حين جاءهم هذا المتلو خيال ظاهر بطلانه (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) أي بل يقولون افترى محمد القرآن من عند نفسه. (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي قل لهم يا أشرف الخلق : إن اختلقت القرآن من تلقاء نفسي كما تقولون فإن الله تعالى يعاجلني بالعقوبة حينئذ ، وأنتم لا تقدرون على دفعه عن معالجته إياي بالعقوبة ، فكيف أجترئ على هذه الفرية وأعرض نفسي للعقوبة (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) أي أعلم بما تتكلمون فيه من التكذيب بالقرآن وتسميته سحرا تارة وفرية تارة أخرى (كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي كفى بالله شهيدا بيني وبينكم يشهد لي بالصدق والبلاغ ، وعليكم بالكذب والإنكار ، أو كفى بالقرآن شهيدا بيني وبينكم وقد شهد بصدقي وبعجزكم عن معارضة شيء منه ، (وَهُوَ الْغَفُورُ) لمن رجع عن الكفر (الرَّحِيمُ) (٨) بعباده فلم يعالجكم بالعقوبة مع عظم ما ارتكبتوه من الذنوب (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) أي قل يا أكرم الرسل لهم لست أول الرسل فلا ينبغي أن تنكروا أخباري بأني رسول الله إليكم مع أن صفتي كصفة من سبق من الرسل ، ولا أن تنكروا دعائي لكم إلى التوحيد ونهي لكم عن عبادة الأصنام ، فإن كل الرسل إنما بعثوا بهذا الطريق.
وقرأ عكرمة ، وأبو حيوة ، وابن عبلة «بدعا» بفتح الدال ، وقرأ أبو حيوة أيضا ومجاهد بفتح الباء وكسر الدال (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) أي ما أدرى ما يفعل بي أأموت ، أم أقتل كما قتل الأنبياء قبلي ولا أدري ما يفعل بكم أيها المكذبون أترمون بالحجارة من السماء ، أم يخسف بكم ، أم يفعل بكم ما فعل بسائر الأمم كالمكذبين قبلكم (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) أي ما أفعل إلا اتباع ما يوحى إلي وهو جواب عن اقتراحهم الأخبار عما لم يوح إليه من الغيوب ، وقال ابن عباس في رواية الكلبي : لما اشتد البلاء بأصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم بمكة رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء فقصها على أصحابه فاستبشروا بذلك ، ورأوا أن ذلك فرج مما هم فيه من أذى المشركين ، ثم إنهم مكثوا برهة من الدهر لا يرون أثر ذلك ، فقالوا : يا رسول الله ، ما رأينا الذي قلت ومتى تهاجر إلى الأرض التي رأيتها في المنام فسكت النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله تعالى : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) وهو شيء رأيته في المنام وأنا لا أتبع الا ما أوحاه الله إليّ اه. وقرأ ابن أبي عبلة وزيد بن علي ما يفعل مبنيا للفاعل أي الله تعالى ، وقرئ ما يوحي على البناء للفاعل (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٩) أي أنهم كانوا يطالبونه صلىاللهعليهوسلم بالمعجزات العجيبة وبالأخبار عن الغيوب فقال تعالى : (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ) عقاب الله تعالى حسب ما يوحى إلي من الإنذار وليس القادر على الأعمال الخارجة عن قدرة البشر والعالم بالغيوب إلّا الله (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ