(فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) ، أي ظهرت فروجهما لكل منهما ، بسبب تساقط حلل الجنة عنهما لمّا أكلا من الشجرة. (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) أي شرعا يلزقان ورق التين بعضه ببعض ، لأجل ستر عوراتهما ، كلما ألزقا بعضه ببعض تساقط. (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ) ، بأكله من الشجرة أي خالف آدم نهي ربه ، لأنه اعتقد أن النهي عن شجرة معينة ، وأن غيرها ليس منهيا عنه (فَغَوى) (١٢١). أي خاب من نعيم الجنة فلم يصب بأكله من الشجرة ما أراده ، لأنه إنما أكل منها ليصير ملكه دائما ، فلما أكل زال ملكه ، وخاب سعيه. (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ) أي قرّبه بالتوفيق للتوبة ، (فَتابَ عَلَيْهِ) ، أي قبل توبته حين تاب هو وزوجته ، (وَهَدى) (١٢٢) إلى الثبات على التوبة والتمسك بأسباب العصمة. (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) أي انزلا يا لآدم وحواء من الجنة إلى الأرض ، (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) فالخطاب لآدم وحواء ولإبليس. وقيل : مع آدم ، وذريته قابيل وأقليما ، (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) ، أي فإن يأتكم يا ذرية لآدم مني دلالة من كتاب ورسول (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ) ، أي دلالتي (فَلا يَضِلُ) في الدين والدنيا (وَلا يَشْقى) (١٢٣) ، بسبب الدين فيها وفي الآخرة. (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) ، أي عن الهدى الداعي إلي ، (فَإِنَّ لَهُ) ، في الدنيا ، (مَعِيشَةً ضَنْكاً). أي ضيقة ، وهي معيشة الكافر فإنه يكون حريصا على الدنيا للزيادة أبدا ، فحالته مظلمة ، لأن مطامح نظره مقصورة على أمتعة الدنيا ، وهو خائف من انتقاصها. أما المسلم فهو يعيش في الدنيا عيشا طيبا لتوكّله على الله تعالى ، فإن المؤمن الطالب للآخرة يوسّع ببركة الإيمان. (وَنَحْشُرُهُ) أي المعرض عن الأدلة ، (يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (١٢٤) ، أي فاقد البصر أي فإذا خرج هو من القبر خرج بصيرا ، فإذا سيق إلى المحشر عمي ، فإذا دخل النار زال عماه ، ليرى محلّه وحاله. (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) (١٢٥) في الدنيا وعند البعث؟ (قالَ كَذلِكَ) ، أي مثل ذلك فعلت أنت. ثم فسّره بقوله تعالى : (أَتَتْكَ آياتُنا) أي دلائلنا في الدنيا واضحة بحيث لا تخفى على أحد ، (فَنَسِيتَها) أي تركتها ، (وَكَذلِكَ) أي مثل تركك آياتنا في الدنيا (الْيَوْمَ تُنْسى) (١٢٦). أي تترك في العذاب جزءا وفاقا (وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك الجزاء الموافق للجناية ، (نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ) ، بالانهماك في الشهوات ، (وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ) ، بل كذّبها ، (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى) (١٢٧) ، من عذاب الدنيا وعذاب القبر. (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) ، أي أغفلوا ، فلم يفعل الهداية لهم كثرة إهلاكنا للقرون الأولى.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي : أفلم نهد بالنون ، أي أفلم نبيّن لأهل مكة بيانا يهتدون به كثرة من أهلكنا من القرون الماضية من أصحاب الحجر ، وثمود ، وقريات قوم لوط. (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) ، حال من الضمير لهم ، أي حال كون هؤلاء القريش ماشين في منازل تلك القرون إذا سافروا إلى الشام مشاهدين لآثار هلاكهم. (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي الإهلاك (لَآياتٍ) ظاهرة الدلالة على الحق ، (لِأُولِي النُّهى) (١٢٨). أي لأهل العقول الناهية عن القبائح. (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) ،