النار والماء الحميم في مقابلة الأنهار وقطع الأمعاء في مقابلة المغفرة لأن المغفرة التي في الجنة على أحد الوجوه هي تعرية أكل الثمرات عما يلزمه من قضاء الحاجة ، والأمراض كأنه تعالى قال للمؤمن : أكل وشرب لا يجتمع في جوفهم ، فيؤذيهم ويحوجهم إلى قضاء الحاجة ، وللكافر ماء حميم. ففي أول ما يصل إلى جوفهم يقطع مصارينهم ويشتهون خروجه من جوفهم فخرجت المصارين من أدبارهم ، ثم الوجه في توحيد الضمير العائد إلى «من» وجمعه أن يقال المسند إلى «من» إذا كان متصلا فرعاية اللفظ أولى لأنه مسموع ، وإذا كان مع انفصال فرعاية المعنى أولى لأنه لا يسمع ، بل يبقى في ذهن السامع فالحمل في الانفصال على المعنى ، وهو جمع الضمير أولى ، وحمل الاتصال على اللفظ ، وهو إفراد الضمير أولى. (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً) أي ومن الخالدين في النار قوم يستمعون إلى خطبتك يوم الجمعة فإذا خرجوا من المسجد قالوا للعلماء من الصحابة منهم ابن مسعود ، وابن عباس استهزاء بما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : أي شيء قال محمد على المنبر الساعة الماضية القريبة منّا لا نعمل بقوله لأنه قول ساقط لا يعتد به ، وقرأ البزي بخلاف عنه بقصر الهمزة (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) (١٦) أي أولئك التاركون اتباع الحق هم الذين أمات الله قلوبهم فلم تفهم فعند ذلك اتبعوا أهواءهم في الباطل (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) (١٧) أي والذين اهتدوا بالإيمان زادهم الله تعالى على الاهتداء هدى حتى ارتقوا من درجة المهتدين إلى درجة الهادين ، وخلق الله فيهم كمال التقوى فلا يخافون معها لومة لائم ويتنزه العارفون عما يشتغل أسرارهم عن الحق ويتبتلون إليه ، (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ) (١٨) و «أن» تأتيهم بدل اشتمال من «الساعة» و «أني» خبر مقدم و «ذكراهم» مبتدأ مؤخر والمعنى : أنهم لا يتذكرون بذكر أهوال الأمم الخالية ، ولا بالإخبار بإتيان الساعة ، وعظائم الأهوال فيها فما ينتظرون للتذكر إلا إتيان نفس الساعة فجأة إذ قد جاءت علاماتها فلم يرفعوا لها رأسا ولم يعدوها من مبادئ إتيانها فيكون إتيانها بطريق المفاجأة لا مجالة فمن أين لهم التذكر والتوبة إذا جاءتهم الساعة فجأة ، أي لا تنفعهم الذكرى إذ لا تقبل التوبة ولا يحسب الايمان حينئذ.
وقرئ «إن تأتيهم» على أن «إن» شرط مستأنف جزاؤه فإني لهم إلخ والمعنى أن تأتيهم الساعة بغتة لأنه قد ظهرت أماراتها كرسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وانشقاق القمر ونحوهما فكيف لهم اتعاظهم إذا جاءتهم ، (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) أي إذا علمت أن مدار السعادة هو التوحيد والطاعة. ومناط الشقاوة هو الإشراك والعصيان فاثبت على العلم بالوحدانية والعمل بموجبه ، (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) وهو ترك الأفضل أو ضرب اليهودي زيد بن السمين ، (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) وللنبي صلىاللهعليهوسلم ثلاث حالات : حال مع الله ، وحال مع نفسه ، وحال مع غيره ، والمعنى : فوحد الله ، واطلب العصمة من الله لنفسك ، واطلب الغفران من الله للمؤمنين والمؤمنات ، ومعنى