طلب الغفران طلب عدم الافتضاح ، ولذلك قد يكون بالعصمة من القبيح كما كان للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وقد يكون بالستر على القبيح بعد وجوده كما هو في حق المؤمنين والمؤمنات (وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ) (١٩) أي يعلم أحوالكم في الدنيا ومواطن إقامتكم في الآخرة إما في الجنة أو في النار (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) إذ تأخر عنهم التكليف خوفا من أن لا يؤهلوا للعبادة (لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ) أي هلا نزلت سورة فيها تكليف بمحن المؤمن والمنافق ، (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ) أي لم تنسخ (وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ) أي وذكر فيها الأمر بالقتال فإنه أشق تكليف ، وقرئ و «ذكر فيها القتال» على بناء الفعل للفاعل وهو الله تعالى ، وعلى نصب «القتال» ، (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي نفاق (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) أي تشخص أبصارهم نحوك عند ذكرك للقتال شخوصا مثل شخوص من أصابته غشية الموت من كراهية قتالهم مع العدو ، (فَأَوْلى لَهُمْ) (٢٠) أي قاربهم ما يهلكهم ، أو فالهلاك لهم وهذا تهديد لهم من عذاب الله تعالى ، أو يقال فالموت أولى لهم ، فإن الموت خير من الحياة التي ليست في طاعة الله ورسوله (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) أي طاعة مخلصة وقول حسن خير لهم ، وقيل : هذا حكاية لقولهم ويدل عليه قراءة أبيّ «يقولون طاعة وقول معروف» أي يقول المنافقون أمرنا طاعة وكلام حسن لمحمد عليه الصلاة والسلام (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) أي فإذا جد الأمر خالفوا موعدهم وتأخروا عنه (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) (٢١) أي فلو صدقوا الله تعالى في إيمانهم واتباعهم الرسول لكان الصدق خيرا لهم ، أو فلو صدقوا الله في ذلك القول ، وأطاعوا الله ورسوله لكان الصدق خيرا لهم ، وقيل : إن جملة «فلو صدقوا الله» إلخ جواب إذا مثل قولك : إذا حضرني طعام ، فلو جئتني لأطعمتك. (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) (٢٢) أي إن كنتم تتركون القتال وتعرضون عنه وتقولون : إن في القتال إفسادا وقطع الأرحام لكون الكفار أقاربنا فلا يقع منكم إلّا ذلك حيث تقاتلون على أدنى شيء هو عادة العرب ، وهذه الآية إشارة إلى فساد قولهم : كيف نقاتل والقتال إفساد ، العرب من ذوي أرحامنا ، فقال تعالى : إن أعرضتم عن القتال فلا يقع منكم إلّا الفساد في الأرض ، فإنكم تقتلون من تقدرون عليه وتنبهونه ، والقتال واقع بينكم أليس قتلكم البنات إفسادا وقطعا للرحم ، فلا يصح تعللكم بذلك مع أنه خلاف ما أمر الله به وهذا القتال مع الكفار طاعة ، وقيل : إن توليتم من الولاية ، والمعنى : فلعلكم يا معشر المنافقين تتمنون إن صرتم أمراء على الناس وصاروا بأمركم أفسدتم في الأرض بالقتل والمعاصي ، وقطعتم الأرحام بإظهار الكفر ويؤكد هذا القول قراءة من قرأ «وليتم» على البناء للمفعول أي وإن جعلتم ولاة ظلمتم بأخذ الرشا ، ونحوه ، وقراءة علي رضياللهعنه «توليتم» والمعنى ان تولاكم والمعنى : إن تولاكم ولاة ظلمة خرجتم معهم ومشيتم تحت لوائهم وساعدتموهم في الإفساد وقطيعة الرحم.
وقرئ تقطعوا بحذف إحدى التاءين من التقطع فانتصاب أرحامكم ، حينئذ على نزع الجار