وإدبارهم لأنهم تولوا عما فيه رضا الله كالإقرار بالرسول وبدين الإسلام وعن ابن عباس رضياللهعنهما : «لا يتوفى أحد على معصية إلا تضرب الملائكة وجهه ودبره». (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) (٢٨) أي فأبطل الله حسناتهم يقال : نزلت الآيات من قوله تعالى : (الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ) إلى هاهنا في شأن المنافقين الذين رجعوا من المدينة إلى مكة مرتدين عن دينهم ، ويقال نزلت في شأن الحكم بن أبي العاص المنافق وأصحابه الذين شاوروا فيما بينهم ، والنبي صلىاللهعليهوسلم ، يخطب يوم الجمعة في أمر الخلافة بعد النبي صلىاللهعليهوسلم وقالوا إن ولينا أمر هذه الأمة نفعل كذا وكذا ولا يستمعون إلى خطبته صلىاللهعليهوسلم حتى قالوا بعد ذلك لعبد الله بن مسعود : ماذا قال محمد الآن على المنبر استهزاء منهم (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي نفاق (أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) (٢٩) أي أحسب المنافقون أنه لن يعلم الله أسرارهم أم حسبوا أنه لن يظهر الله أحقادهم على المؤمنين لرسوله ، وللمؤمنين فتبقى أمورهم مستورة فـ «أم» استفهامية والمعنى : أن ذلك الإظهار ما لا يكاد يدخل تحت الشك ، (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ) أي ولو أردنا لعرفناكهم تعريفا معه المعرفة فتعرفهم بعلامتهم القبيحة ، وعن أنس رضياللهعنه قال : ما خفي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد هذه الآية شيء من المنافقين ، كان يعرفهم بسيماهم في بعض الغزوات وفيها تسعة من المنافقين يشكوهم الناس فناموا ذات ليلة وأصبحوا وعلى كل واحد منهم مكتوب هذا منافق ، (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) أي والله إنك يا محمد لتعرفن المنافقين في وجه خفي من القول فيفهمه النبي صلىاللهعليهوسلم ولا يفهمه غيره ، ولكن لم يظهره إلى أن أذن الله تعالى في إظهار أمرهم وفي المنع من الصلاة على جنائزهم والقيام على قبورهم ، (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) (٣٠) فيجازيكم بحسب قصدكم ، وهذا وعد للمؤمنين ، وبيان لكون حالهم على خلاف حال المنافقين ، فكان للمنافق قول بلا عمل ، وللمؤمن عمل ولا يقول به ، وكان المؤمن يعمل الصالحات ويتكلم في السيئات مستغفرا ، وكان المنافق يتكلم في الصالحات ويعمل السيء والله تعالى يسمع الأقوال الفارغة من المنافقين ويعلم الأعمال الصالحة منكم ولا يضيع ، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) بالأمر بالجهاد والتكاليف الشاقة (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ) أي حتى نعلم المقدمين على الجهاد (وَالصَّابِرِينَ) على مشاق الجهاد أي الذين لا يولون الأدبار (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) (٣١) أي ونظهر أخباركم من حسن أعمالكم وقبحها.
وقرأ شعبة في الأفعال الثلاثة بالياء التحتية مسندا لضمير راجع إلى الله ، وقرئ ونبلو بسكون الواو على تقدير ونحن نبلو. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل الكتاب قريظة والنضير أو من كفار قريش (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي أعرضوا عن دين الله وصرفوا الناس عن طاعة الله (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) أي خالفوه وعادوه (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى) وهو نعت محمد في التوراة وما ظهر على يديه من المعجزات ، وما نزل عليه من الآيات (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) تنزه الله تعالى عن أن يتضرر بكفر كافر وفسق فاسق ، (وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) (٣٢) أي مكايدهم في القتال وفي إبطال دين الله