سورة الفتح
مدنية ، تسع وعشرون آية ، خمسمائة وستون كلمة ، ألفان وأربعمائة وثمانية وثلاثون حرفا
وسبب نزول هذه السورة أنه صلىاللهعليهوسلم في السنة السادسة خرج بألف وأربعمائة من أصحابه قاصدين مكة للاعتمار فأحرموا بالعمرة من ذي الحليفة ، وساق صلىاللهعليهوسلم سبعين بدنة هديا للحرم ، وساق القوم سبعمائة ، فلما وصلوا الحديبية ـ وهي قرية بينها وبين مكة مرحلة ـ منعه المشركون من دخول مكة ، وصالحوه على أن يأتي في العام القابل ويدخلها ، ويقيم فيها ثلاثة أيام ، فتحلل هو وأصحابه هناك بالحلق ، وذبح ما ساقوه من الهدى ثم رجعوا يخالطهم الحزن ، فأراد الله إذهاب الحزن عنهم فأنزل الله تعالى عليه صلىاللهعليهوسلم هذه السورة ، وهو سائر ليلا في رجوعه ، وهو بكراع الغميم (وهو واد أمام عسفان بين مكة والمدينة) فبشر بفتح مكة رسول الله صلىاللهعليهوسلم أصحابه عند انصرافه من الحديبية وقال صلىاللهعليهوسلم : «نزلت عليّ آية هي أحب إليّ من الدنيا جميعها» (١). فلما تلاها قال المسلمون : هنيئا مريئا لك يا رسول الله لقد بيّن الله لك ما يفعل بك ، فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى عليه : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) حتى بلغ (فَوْزاً عَظِيماً) [الفتح : ٥].
بسم الله الرحمن الرحيم
(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (١) أي ظاهر الأمر فارقا بين الحق والباطل ، أي إن الله فتح مكة عنوة وصلحا ، وفتح الإسلام بالحجة والبرهان والسيف والسنان ، فإن أسفل مكة فتحها خالد عنوة وأعلاها فتحه الزبير صلحا ، ودخل النبي صلىاللهعليهوسلم من جهته رضياللهعنه فصار الحكم له صلىاللهعليهوسلم. (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) أي لكي يغفر الله لك ما سلف من ترك الأفضل قبل الوحي وما يكون بعد الوحي إلى الموت ، (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بإعلاء الدين ، وضمّ الملك إلى النبوة بإخلاء مكة عن معانديك ، وباستجابة دعائك في طلب الفتح ، وبقبول شفاعتك في الذنوب في
__________________
(١) رواه البيهقي في دلائل النبوة (٤ : ١٥٨) ، وابن أبي شيبة في المصنّف (١٤ : ٥٠١) ، والسيوطي في الدر المنثور (٦ : ١٧).