الامتحان ليصير مثابا ، وقد يكون مصابا على وجه التعذيب (وَلَعَنَهُمْ) أي طردهم من كل خير فإن المغضوب عليه قد يقنع الغاضب بالعتب والشتم ، أو الضرب ولا يقتضي غضبه إلى إبعاد المغضوب عليه من جنابه ، ولا إلى طرده من بابه ، وقد يفضي غضبه إلى ذلك لكون الغضب شديدا ، (وَأَعَدَّ لَهُمْ) في الآخرة (جَهَنَّمَ وَساءَتْ) أي جهنم (مَصِيراً) (٦) أي مرجعا (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فإنزالهم قد يكون للرحمة وقد يكون للعذاب ، (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) أي شديدا بنقمة الكافرين والمنافقين ، (حَكِيماً) (٧) بكرامة المؤمنين المخلصين بإيمانهم (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) أي يشهد أن لا إله إلّا الله ، وأن دينه هو الحق ، وأحق أن يتبع ، (وَمُبَشِّراً) لمن يوافقك في تلك الشهادة (وَنَذِيراً) (٨) لمن يخالفك فيها (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) لأن كون النبي مرسلا من الله يستلزم أن يؤمن المكلّف بالله وبالمرسل (وَتُعَزِّرُوهُ) أي تنصروه بتقوية دينه ورسوله. وقرئ شاذا «تعززوه» بزاءين مع الفوقانية. وقرئ بضم التاء وسكون العين وبفتح التاء ، وضم الزاي وكسرها ، وهاتان مع الراء. (وَتُوَقِّرُوهُ) أي تعظموه ، لأن الله يعظمكم بالبشارة. وقرئ بسكون الواو. (وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (٩) أي تنزهوه عن السوء في الدوام مخافة عقابه الشديد. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء على الغيبة في الأفعال الأربعة. والباقون بالتاء على الخطاب ، والكنايات الثلاثة راجعة إلى الله تعالى لتكون على وتيرة واحدة ، ويصح رجوعها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فحينئذ إن معنى يسبحونه ينزهونه صلىاللهعليهوسلم عن كل وصمة بإخلاف وعده بدخول مكة والطواف بالبيت الحرام ، وبنحو ذلك ، ويصح أن يكون أمرهم بالتنزيه في أوقات يذكرون فيها الفحشاء والمنكر ، (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) أي إن الذين بايعوا نبي الله على أن لا يفروا من قتال قريش تحت الشجرة السمرة في الحديبية ، وهم مقدار ألف وخمسمائة رجل كأنهم يبايعون الله. والمعنى : إن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله تعالى من غير تفاوت بينهما ، لأن من بايع النبي على أن لا يفر من موضع القتال إلى أن يقتل ، أو أن يفتح الله لهم وإن كان يقصد ببيعته رضا الرسول ظاهرا لكن إنما يقصد بها حقيقة رضا الرحمن فإن المقصود توثيق العهد بمراعاة أوامره ونواهيه. وهذا يسمى بيعة الرضوان لقول الله تعالى في شأن هذه البيعة ، لقد رضي الله عن المؤمنين إذ (يُبايِعُونَكَ) الآية. وقرئ «إنما يبايعون لله» ، أي لأجله (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) أي نعمة الله ، عليهم في الهداية فوق إحسانهم إلى الله وهو ما صنعوا من البيعة أو نصرة الله تعالى إياهم أعلى من نصرتهم إياه. ويقال : حفظ الله إياهم على البيعة أقوى من وضع يد ثالث على أيدي المتبايعين لحفظ أيديهما إلى أن يتم العقد ، فإن كل واحد من المتبايعين مدّ يده إلى صاحبه في البيع والشراء ، وبينهما ثالث متوسط يضع يده على يديهما فيحفظ يديهما إلى أن يتم العقد ، (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) أي فمن نقض عهده فإنما يعود ضرر نقضه على نفسه ، لأنه فوت على نفسه الإحسان الجزيل في مقابلة العمل القليل فقد خسر ، أو يقال : من يبايعك أيها النبي إذا نكث لا يكون نكثه عائدا إليك ، لأن البيعة مع الله ولا عائد إلى الله لأنه لا يتضرر بشيء فضرره لا يعود إلّا إليه. (وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (١٠) أي ومن